"حاولت تقديم
وثائقي مضاد للنسيان".. هكذا يصف الإعلامي
التونسي عدنان الشواشي فيلمه "رحيل".
وخلال 50 دقيقة، يوثق الفيلم للأزمة السياسية التي عصفت بالبلاد إثر اغتيال المعارض التونسي محمد البراهمي أمام منزله، وللاحتجاجات العارمة التي قادتها جبهة الإنقاذ (ائتلاف سياسي أعلن عن تأسيسه فجر يوم 26 تموز/ يوليو 2013 بين الجبهة الشعبية اليسارية وحركة نداء تونس بقيادة الرئيس الحالي الباجي قايد السبسي)، للمطالبة برحيل حكومة الترويكا.
واغتيل البراهمي عضو المجلس الوطني التأسيسي والمنسق العام للتيار الشعبي بـ11 رصاصة صبيحة يوم 25 تموز/ يوليو 2013 أمام منزله بمدينة أريانة (شمالي العاصمة)، على يد عناصر محسوبة على تنظيم "
أنصار الشريعة" الذي تم حظره إثر تلك العملية، على يد رئيس الحكومة آنذاك علي العريض.
ويوضح الشواشي في حديثه لمراسل الأناضول، أن "الهدف من الوثائقي هو تخليد ذكرى الاغتيال حتى لا ينسى التونسيون جزءًا من تاريخهم"، حيث يبدأ الفيلم بتصريح للبراهمي قبل ثلاثة أسابيع من اغتياله، أدلى به للشواشي أمام المجلس الوطني التأسيسي، وأفصح خلاله عن تخوفه من تفشي ظاهرة العنف السياسي في تونس.
وفي أسى، يعلق الشواشي على هذا المشهد بقوله: "محمد البراهمي كان بدوره ضحية الاغتيال السياسي بعد ثلاثة أسابيع فقط، وهذا ما جعلني أتأثر على المستوى الشخصي".
الفيلم أعاد المشاهدين لأبرز الأحداث التي تلت اغتيال البراهمي، ووثق احتجاجات الشارع التونسي المنقسم بين المطالبين برحيل حكومة الترويكا والداعمين لها.
استعان مخرج الفيلم بأربعين شهادة أغلبها لسياسيين، ولوجوه من المجتمع المدني محسوبة على الترويكا الحاكمة آنذاك (ائتلاف بين حركة النهضة الإسلامية وحزبين علمانيين هما المؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل من أجل العمل والحريات حكم من كانون الأول/ ديسمبر 2011 إلى كانون الثاني/ يناير 2014)، مثل سمير ديلو القيادي في حركة النهضة ووزير حقوق الإنسان في تلك الفترة، ومحرزية العبيدي نائبة رئيس المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان) آنذاك، وتصريحات أيضا لقيادات في الصف المقابل، أهمهما مباركة عواينية أرملة البراهمي، وبسمة الخلفاوي أرملة المعارض التونسي شكري بلعيد، الذي اغتيل كذلك قبل البراهمي بشهور.
ويقول الشواشي: "الذاكرة لا يجب أن تكون مشوهة بالأيدولوجيا والانتماءات، لذا حاولت إعطاء الكلمة للتونسيين، ولم أتدخل في النص، وتركت للسياسيين والمجتمع المدني المسؤولية حتى يعبروا عن آرائهم".
الوثائقي الذي عرض الخميس في قاعة الريو بالعاصمة التونسية وسط حضور إعلامي واسع، أنعش ذاكرة الحاضرين، وسرد وقائع الأحداث، مرفقة بتواريخ، وسلط الضوء على التجاذبات السياسية، التي دارت بين المعارضة المطالبة برحيل الحكومة، وبين الترويكا الحاكمة المتمسكة بالشرعية الانتخابية.
وثّق الفيلم كذلك لاعتصام "
الرحيل" الذي انطلق في 26 تموز/ يوليو 2013 بساحة باردو في العاصمة تونس بعد يوم من حادثة الاغتيال، للمطالبة بحل المجلس الوطني التأسيسي وإسقاط الحكومة، بالتوازي مع اعتصام دعم الشرعية المساند لحكومة الترويكا، مرورا بالحوار الوطني الذي أفضى إلى استقالة الحكومة.
الصحفية التونسية ألفة بن شعبان علقت بعد مشاهدة الفيلم بقولها: "ربما نحن الصحفيين لا ننسى بقدر التونسيين العاديين، ولكن عرض الأحداث هكذا بطريقة منظمة ومتسلسلة تجعلنا ندقق أكثر في كل حدث، وفي كل تصريح، لنتمكن من القيام بتحليل أكثر عمقا، وربما الوصول إلى بعض من الحقائق".
الشواشي اختتم حديثه للأناضول قائلا: "العمل هو محاولة ليتذكر كل تونسي بعد عشرين سنة ما حصل بعد الثورة، والناس التي ماتت من أجل إرساء الديمقراطية".
"رحيل" هو فيلم وثائقي من إنتاج وإخراج الإعلامي عدنان الشواشي، بمشاركة المصور وائل الزاراتي، وبالتعاون مع الأخوين أيمن وحمزة المرايحي، في الموسيقى التصويرية، وساهمت في إنتاجه النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين.