مع تزايد
الإضرابات العمالية في
تونس، برزت جهود سياسية للحث على إحياء "قيمة
العمل"، في حين تشير دراسات إلى تراجع
إنتاجية الموظفين لا سيما في العام.
وفي هذا السياق، قال رئيس الحكومة التونسية، الحبيب الصيد، إن البرامج التي قدمها والتي ستشتغل عليها حكومته لها لا معنى لها، ولا جدوى منها إذا لم تقترن بالإنصراف إلى العمل والإنتاج.
وأضاف في كلمته التي ألقاها في مجلس نواب الشعب التونسي الجمعة، بمناسبة مرور مائة يوم على تنصيبها: "لا بدّ من الإقرار في هذا السياق، أننا نشهد في هذه الفترة بالذّات، التي تحتاج فيها بلادنا إلى مضاعفة الجهد على كافّة المستويات، تراجعا كبيرا لقيمة العمل، وتقلّصا للانتاج وتدنّيا للإنتاجية".
ورأى الصيد أنه إن "كان من المشروع المطالبة بالحقوق، والسّعي إلى الحفاظ عليها، ودعمها، فإنّه في المقابل يتعيّنُ القيام بالواجبات والقطع مع كلّ مظاهر التهاون والتسيّب".
وفي السياق ذاته، قالت النائبة محرزية العبيدي، ، خلال جلسة الاستماع، إن أحسن البرامج وأنجعها لا يمكن أن تحقق المرجو منها إذا لم يقدر الشعب التونسي على استعادة قيمة العمل، ورأت أن غياب هذه القيمة هو ما ينقص تونس اليوم.
وسبق لراشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة، أن خصص خطبة الجمعة للحديث عن قيمة العمل وضرورة وقف الإضرابات.
وقال الغنوشي إن الثورة أضعفت دولة الاستبداد وهي اليوم بصد بناء دولة العدل، وأن عملية البناء تحتاج ترسيخ ثقافة العمل.
ووصف الغنونشي تعطيل إنتاج الفوسفات أو البترول في مدن الجنوب التونسي بأنها "فتنة"، داعيا المحتجين إلى اتباع "سلوك رشيد في مطالبتهم المشروعة بالتنمية في مناطقهم، حتى يتم الترفق بالبلاد"، وفق تعبيره.
وفي المقابل، قال سمير الشفي، الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل، الذي يتبنى الدعوة لغالبية الإضرابات، إن الحديث عن هدنة اجتماعية كالحديث عن واقع حرب.
ورأى الشفي في تصريح لإذاعة إكسبرس؛ أن اتحاد الشغل كان قد لعب دورا مهما في تجنيب البلاد سيناريوهات غير محمودة، وفق تقديره، موضحا أن شروط الهدنة هي حوار اجتماعي جدّي بين أطراف الإنتاج الثلاث، والالتزام بالاتفاقيات السابقة وتفعيلها، مع مراجعة تدهور القدرة الشرائية للمواطن.
وأضاف الشفّي أن مشكلة الإنتاجية لا تطرح في القطاع الخاص بل في القطاع العام، وهو مرتبط أساسا بالرسكلة وإعادة التأهيل.
تأتي هذه الدعوات لإحياء قيمة العمل في ظل اتفاق أغلب أطياف المجتمع التونسي على أن التونسي لا يعمل، وهو ما أشارت إليه دراسة أعدتها الجمعية التونسية لمكافحة الفساد، خلصت فيها إلى أن معدل الوقت الذي يقضيه الموظف التونسي في العمل الفعلي لا يتجاوز ثماني دقائق في اليوم، وهو معدّل دون المستويات العالمية بكثير، فيما لم تتجاوز أيام العمل 105 أيّام من أصل 365.
وجاء في الدراسة، التي اطلعت عليها "
عربي21"، أنّ نسبة غياب الموظفين داخل الإدارة التونسية ارتفعت بنحو 60 في المئة، مشيرة إلى أنّ نسبة الموظفين الحاضرين بصفة قانونية في مراكز عملهم والمتغيبين ذهنيا بلغت 80 في المئة.
وذهبت الإحصائيات حول أداء الموظف التونسي، إلى أنّ موظّفا من خمسة فقط يعمل والبقيّة يكتفون بالحضور، الأمر الذي تسبّب في تعطيل مصالح المواطنين. وقدّرت الخسائر بحوالي مليون و86 ألف يوم عمل بسبب الغيابات.
وفي تصريح لصحيفة الضمير التي نشرت الدراسة، في عددها الصادر في نيسان/ أبريل الماضي، قال إبراهيم الميساوي، رئيس الجمعية، إن نسبة الغيابات في القطاع العام بلغت 90 في المئة في حين لم تتجاوز 10 في المئة في القطاع الخاص، مضيفا أن نسبة النساء المتغيبات في القطاع العام أكثر من الرجال.
وأكّد أنّ الإدارة التونسية تعاني من ارتفاع عدد الموظفين الذي بلغ حوالي 800 ألف موظف وعامل، في حين أنها لا تحتاج إلى هذا العدد، متابعا أن هذا الاكتظاظ هو السبب الرئيسي لعدم نجاعة الإدارة وعدم قدرتها على التحكم في موظفيها.
وتجدر الإشارة إلى أن تونس شهدت خلال شهر أيار/ مايو المنقضي 58 إضرابا عن العمل موزّعة بين قانونية وغير قانونية في قطاعات حسّاسة كالتعليم والصحّة والنقل.