تناول الإعلام الليبي والعربي وحتى الأجنبي المواجهات بين "مجلس مجاهدي درنة" و"
تنظيم الدولة" في مدينة درنة وضواحيها على أنه صراع الأجنحة الإسلامية المتشددة لفرض سيطرتها وبسط نفوذها في مدينة درنة. بعض التقارير الصحفية أشارت إلى أن مجلس مجاهدي درنة يمثل تنظيم القاعدة في الشرق الليبي، ومعروف أن تنظيم الدولة خرج من رحم تنظيم القاعدة في العراق، وبالتالي يذهب العرض الإعلامي إلى نتيجة، يبدو أن هناك اتفاقا بين العديد من المؤسسات الإعلامية حولها، وهي أن ما جرى الأيام الماضية في درنة هو تعبير عن الصراع التقليدي بين التنظيمات المنقسمة على نفسها والتي لا تختلف كثيرا في توجهاتها.
وما يمكن التأكيد عليه هو أن غموض وتردد المجموعات الإسلامية الأقل تشددا والتي لا تغالي في التكفير يفسح المجال لتصنيفها كتنظيمات راديكالية خاصة إذا كانت يوما ما تتبنى اتجاها متشددا، أو تكرر في قاموسها مصطلحات تجنح للتشدد. لكن الصراع السياسي بين الإسلاميين والعلمانيين ودخول أطراف أخرى على خط الصراع لأسباب سياسية وليس أيديولوجية أو لمصالح مادية قاد إلى ترويج صور نمطية كان التعميم فيها هو الأصل ولهذا أسبابه التي تتعلق باستنفاد كل الوسائل الممكنة للنيل من الخصم الفكري أو السياسي.
في هذا الإطار يقع تفسير الأحداث التي جرت الأيام القليلة الماضية والتي شهدت اقتتالا بين كتيبة "شهداء أبوسليم" ومقاتلين تابعين لـتنظيم الدولة والتي راح ضحيتها عناصر من الطرفين كان من بينهم آمر الكتيبة "سالم دربي" الذي كان له دور بارز في الحرب ضد كتائب القذافي.
أنصار كتيبة أبوسليم يجهرون اليوم بعداوة تنظيم الدولة ويتحدثون عن غلوهم وتطرفهم ودخلوا معهم في مواجهة شرسة أودت بعدد من قيادتها البارزين، ومع أن الكتيبة أصدرت بيانات تشير إلى خلاف بينها وبين تنظيم الدولة في درنة فإن الموقف المُفاصِل لم يظهر بوضوح إلا بعد اتهام "أبوسليم" تنظيم الدولة باغتيال قيادي بارز في الكتيبة يوم الثلاثاء الماضي، الأمر الذي فسح المجال للقول بأن العداء لم يكن لدوافع شرعية أو وطنية كما جهر بذلك العديد من الكتاب والنشطاء، وتناقل العديد من المدونين القول أن واقعة الهجوم على عائلة "الحرير" الشهيرة والتي ذهب ضحيتها عدد من أفراد العائلة رجالا ونساء لم تحرك "أبوسليم"، بينما تحركوا لمواجهة تنظيم الدولة بعد مقتل قيادي منهم. هذا القول المتداول بين النشطاء والمتابعين للشأن الليبي يؤكد ما أشرنا إليه من وجود غموض أو تردد في موقف المجموعات الإسلامية الأقل تشددا ومنها كتيبة أبوسليم تجاه تنظيم الدولة، ألقى هذا الغموض أو التردد بظلاله على قتالهم ضد تنظيم الدولة.
ويعود التردد إلى زمن سبق تشكيل تنظيم الدولة في درنة وتمدده وسيطرته على جزء من مرافقها، وذلك في فترة الاغتيالات التي طالت شخصيات عامة. وبرغم وجود بعض الشواهد أن أيادي خفية نفذت الاغتيالات لصالح مشروع سياسي أكبر من تفكير الإسلاميين المتشددين، إلا أن حالات محددة قد يكون لبعض المتشددين يد في قتلها، وظل الخطاب غير واضح حيال هذه الظاهرة من قبل الإسلاميين الأقل تشددا.
لكن عجز الإسلاميين الأقرب إلى التيار الوسطي في درنة ومنهم كتيبة شهداء أبوسليم، وآمرها الذي كان من أول من تخلوا عن سلاحهم وعادوا إلى حياتهم الطبيعية بعد انتهاء المعارك في 2011، والمعروف باعتداله في مواقفه وبساطته في التعاطي مع القضايا الجدلية ظهر في موقفهم من اتهامهم بالتشدد، فقد كان الخطاب مبهما والمواقف ملتبسة والظهور على استحياء الأمر الذي ساعد على قبول قطاع من الرأي العام داخل درنة وخارجها للدعاية المضادة لهم. ومرجع الظهور الخجول إلى عقيدة أو توجه مرتبط بالتوكل على الله وإيكال الآخرين إلى أنفسهم والزهد في الأدوات الفاعلة في التأثير مثل الإعلام والتعويل على "الجهاد" وحده لتحقيق النصر كما هي أولويات معظم الجماعات الجهادية.
كل ما سبق لا يعني عدم قبول الرأي العام لقتال كتيبة أبوسليم لتنظيم الدولة، بل ربما على العكس من ذلك فقد يدفع قتالهم للتنظيم إلى دعم وتأييد من قبل جموع كبيرة قد تكون ضاقت ذرعا بممارسات تنظيم الدولة في المدينة، لكنه سيظل نقطة قد تثار ضد الكتيبة وأفرادها.