أكثر من أي وقت مضى، تتدحرج كرة الأزمة
اليمنية إلى هاوية سحيقة، في ظل اللعب على الحافة الذي تمارسه كل الأطراف، تقريباً في محاولة منها لعدم الذهاب إلى
جنيف دون أن تتحمل تبعات الرفض المباشر لدعوة الأمم المتحدة لعقد لقاء جنيف الذي لا تُعلم حتى الآن على وجه الدقة أجندته الأساسية.
لكن من الواضح أن مليشيا الحوثي والمخلوع صالح، قررا عدم المشاركة وسوف يتحملان بالتأكيد تبعات عدم الانصياع للإرادة الدولية، وهما الطرف الذي كان يحتاج إلى طوق النجاة الدبلوماسي هذا أكثر من الطرف الذي تمثله الحكومة ومعها طيف الأحزاب الوطنية الواسع.
طائرة الأمم المتحدة عادت من صنعاء دون أن تحمل معها ممثلين عن المليشيا والمخلوع صالح وعن أحزاب صغيرة يحاول هذا الحلف حشرها على خط الأزمة، لإظهار أنه يتحرك ضمن إطار سياسي واسع لا يقبل بعودة السلطة الشرعية إلى ممارسة صلاحياتها الدستورية في البلاد.
وفد الحكومة والأحزاب تكون من ممثلين جهويين وتكنوقراط، لكنه لم يضم قادة سياسيين مخولين، وزد على ذلك أن بعض أعضاء الوفد يرمزون إلى حالة الرفض الواسعة التي يواجهها حلف الانقلاب وتواجهها بشكل خاص مليشيا الحوثي خصوصاً في مناطق مثل محافظة صعدة.
أكثر ما استفز مليشيا الحوثي وجود الشيخ عثمان مجلي أحد أبرز الرموز القبليين المعارضين لسلطة المليشيا في محافظة صعدة.
ومساء السبت تم تعميم تفسير ساذج بشأن رفض
الحوثيين وحليفهم الذهاب إلى جنيف، مفاده أنهما يرفضان صيغة الدعوة التي وجهتها الأمم المتحدة إلى الأطراف التي ستشارك في لقاء جنيف، وهي السلطة الشرعية والأحزاب الموالية لها، والمتمردين.
لا شيء منطقيا في هذا التفسير، فقرار الأمم المتحدة رقم 2216 واضح جداً، فهو يطالب الحوثيين والمخلوع صالح بالانسحاب من المدن وتسليم الأسلحة وتمكين الدولة من أداء مهامها الدستورية، وإنهاء إجراءاتهم الأحادية (الانقلاب).
لا تحتاج الأمم المتحدة وهي ترعى لقاء بهذا القدر من الحساسية أن تطلق توصيفات مستفزة. لكن الثابت أن الحوثيين وحليفهم صالح، رفضوا الذهاب إلى جنيف ليس لأنهم متمردون، فهم في حقيقة الأمر كذلك، ولكن لأنهم لم يضمنوا فعلاً أن اللقاء سيؤسس لمسار تفاوضي جديد، يقوم على أنقاض التسوية السياسية ومرجعياتها بما فيها قرارات مجلس الأمن ومخرجات الحوار الوطني.
هذا هو السبب المباشر، وسيكون من المعيب المضي في إطلاق تفسيرات سطحية من هذا النوع، والتي قد تمنح الانقلابيين فرصة للتملص من التزاماتهم تجاه حضور لقاء جنيف دون أن يدرك عموم الناس حقيقة الدوافع.
اللافت في مسار الأزمة اليمنية أن المقاومة تتحرك بقوة باتجاه الحسم، يحدث هذا في تعز وعدن وفي مأرب، وهنا تكمن تفسيرات عديدة لحقيقة تعثر لقاء جنيف.
فالرياض التي تشعر أن لقاء جنيف موجه لها بشكل خاص دفعت الحكومة اليمنية التي تقيم في الرياض إلى تلغيم هذا اللقاء، وكان أول لغم وضعته الحكومة هو طبيعة تركيبة الوفد التي عكست عدم رغبة الحكومة في التفاوض، بل في التشاور على قضية محددة وهي كيفية تنفيذ قرار مجلس الأم رقم 2216 لا أقل ولا أكثر.
كان هذا هو الخيار الأمثل أمام الرياض والحكومة الموالية لها، وإلا فإن الوقوف أمام الإرادة الدولية القوية لعقد لقاء جنيف كان ربما سيحرف مسار الأزمة اليمنية لغير صالح التحالف العربي الذي يشكل حضوره في الأزمة اليمنية، بهذا القدر من التأثير، أهم أسباب الدفع بمقترح لقاء جنيف من قبل قوى دولية وتحت يافطة الأمم المتحدة.
في تقديري أن المشهد اليمني مرشح بقوة نحو تطورات كبيرة، لا أرى إلا أنها تتجه نحو حسم يعيد الحكومة إلى البلاد، وينهي التدخل العربي بشكل مشرف.
من مؤشرات ذلك التقدم الذي تحرزه المقاومة والمفاجآت المتتالية على هذا الصعيد، واتساع نطاق الاستهداف المباشر من قبل طيران التحالف العربي، للرموز المناهضة للتحالف والسلطة الشرعية، من المرتبطين بالرئيس المخلوع والحوثيين والوجاهات القبلية.
وهذا الاستهداف يعمل على انحسار مظلة الأمان عن هذه الرموز بهدف حملها على الانخراط في التحركات التي يرعاها التحالف العربي، وهي تحركات تمضي ضمن مسار محدد، يرمي إلى إنهاء نفوذ مليشيا الحوثي والمخلوع صالح وقواته المتمردة من المشهد السياسي في اليمن.