نشرت صحيفة ليبراسيون الفرنسية مقالا على هامش زيارة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند للجزائر، عرضت فيه آراء أستاذ التاريخ الفرنسي المعاصر بجامعة باريس الأولى، بيار فيرميرن، حول أسرار هذه الزيارة، والمشكلات الداخلية التي تعيشها
الجزائر، وعلاقتها بفرنسا، وملامح السياسة الخارجية الجزائرية وعلاقتها بدول المنطقة، كما نقلت عنه تشاؤمه حيال مستقبل الجزائر، بسبب غياب القيادة السياسية، وغياب سياسات واضحة كفيلة بتحسين الأوضاع.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن زيارة فرنسوا هولاند للجزائر تأتي بعد ثلاث سنوات من آخر زيارة
ديبلوماسية قام بها من أجل عقد المصالحة بين البلدين، ولكنه اليوم يقف أمام جزائر لا يحكمها شخص واضح، قادر على مناقشة المسائل المهمة وقيادة البلاد، والسفر وعقد اللقاءات والمشاورات، وإنما يديرها نظام أثبتت التجربة عدم كفاءته.
وأشارت إلى أن الجزائريين يشكون منذ سنوات من أن بلادهم يحكمها نظام الرجل الواحد، ولكن الأمور أصبحت اليوم أكثر تعقيدا، باعتبار أن هذا النظام لم يعد له وجه يمثله أمام الشعب الجزائري والعالم، ما ينعكس سلبا على العلاقات الديبلوماسية بين
فرنسا والجزائر.
ونقلت الصحيفة عن فيرميرن تساؤله حول حقيقة الحكومة الجزائرية، ومن يسيّر دواليب الدولة، وعن دور
الجيش في الحياة السياسية. كما أشارت إلى الفساد الذي ينخر الاقتصاد الجزائري، والصراع من أجل الاستحواذ على العائدات النفطية.
ورأت الصحيفة أن الحكومة الفرنسية اختارت عدم التدخل في شؤون الجزائر، وغض النظر عن الفوضى التي تعمها، والتركيز على أولوياتها الأخرى، وتحقيق أهدافها فيما يخص الوضع الإقليمي في شمال إفريقيا، مثل الوضع في مالي ومشكلة الفوضى والهجرة في ليبيا، خاصة وأن الجزائر تلعب دورا هاما في محادثات السلام التي تنظمها الأمم المتحدة.
كما لفتت الصحيفة إلى أن كلمة "مصالحة" اختفت من الخطاب الجزائري الرسمي تجاه فرنسا، الأمر الذي لم يستغربه بيار فيرميرن، الذي أكد أنه ليس هنالك من داع لاستعمال هذه الكلمة، باعتبار أن الحكومتين الجزائرية والفرنسية، -رغم الخلافات التي شهدتاها في الماضي-، في توافق تام أثبتته مساندة فرنسا للنظام الجزائري حتى عندما تخلت عنه الولايات المتحدّة، ورغم أن هذا الوفاق تسبب في أزمة مع الرباط.
ونقلت الصحيفة عن فيرميرن بأن سياسة الجزائر الخارجية واضحة من حيث أهدافها، في ليبيا والساحل، وموقفها من المغرب حول أزمة الصحراء. كما أفاد بأنها، رغم اختلافها مع فرنسا حول التدخل في ليبيا، تقوم بتنسيق المجهودات من أجل الحفاظ على أمن المنطقة، حيث أنها تساعد على حماية أمن تونس من خلال محاولتها وضع حد للفوضى الليبية ومنعها من الانتشار.
كما يؤكد الباحث الفرنسي أن الجزائر تسعى لتعزيز ترسانتها العسكرية، من خلال توقيعها العديد من العقود مع ألمانيا وإيطاليا وروسيا والولايات المتحدة، رغم أن أجندة عملها في الشأن الداخلي غير واضحة.
ولفتت الصحيفة إلى تداعيات النقص الحاد في الموارد الذي تعيشه الجزائر، وهو بمثابة قنبلة موقوتة ذات تأثير على المدى القريب والمتوسط، باعتبار أن بقاء النظام يقوم على تقسيم العائدات على الشعب، في شكل مساعدات ومنح ودعم للمواد الأساسية.
كما أشار إلى أن النظام الاقتصادي الجزائري غير فعّال، نظرا لاعتماده الكلي على عائدات النفط، في حين أن البلاد تشهد انفجارا ديمغرافيا ضخما بعدد ولادات سنوية تتجاوز عدد ولادات المغرب وتونس وليبيا مجتمعة، وبعد عشرين عاما لن يجد هؤلاء المواليد موارد طبيعية تيسر لهم حياتهم.
وفي الختام، تنقل الصحيفة عن فيرميرن أن المستقبل أمام الجزائر لا يبشر بالخير، باعتبار هشاشة الوضع الداخلي، وتواصل إقصاء الجيل الصاعد على تولي مناصب القيادة، في ظل الصراعات المتواصلة بين جبهة التحرير الوطنية والجيش وعمالقة الصناعة، وتواصل ظهور قضايا الفساد التي تتحدث عنها الصحف اليومية الجزائرية.