كانت لحظة إعلان فوز الرئيس مرسي هي اللحظة التي تغير عندها تاريخ
مصر دون مبالغة، فمنذ أن رحل الفرنسيون عن مصر، اعتاد الشعب أن يحكمه ممثل عن الاحتلال، بدءا من محمد علي عميل فرنسا وانتهاء بالمخلوع.
كان مقعد الرئاسة محجوزا لصبي من العسكر تختاره أجهزة المخابرات في دولة أوربية ما، وكان من أصدق ما قاله البرادعي مؤخرا هو أن الصراع بين العسكر والإخوان أساسا، فمنذ نشأة الإخوان المسلمين أصبحوا ممثلين عن الشعب المصري في مواجهة عصابات العسكر التي تنوب عن الاحتلال وتمثله في مصر. ولذلك كان الصدام بين العسكر والإخوان عنيفا دمويا، وعادة ما كان صبية الاحتلال دائما أكثر شراسة في مواجهة الإخوان من أسيادهم أصحاب التوكيل. وحول العسكر كان هناك ديكور علماني من أحزاب صغيرة تعادي هي الأخرى الإخوان المسلمين بوصفهم ممثلي الفكر الإسلامي، وهو فكر الأغلبية الساحقة في مصر، والإخوان فقط ترجموا هذا الفكر لحركة أو جماعة سياسية ودعوية.
وبذلك تصبح الحاضنة الشعبية متوفرة أوتوماتيكيا لدى الإخوان دون عناء، وهو ما يسبب غصة للأحزاب
العلمانية الصغيرة، فتقف دائما موقف العداء، فالإخوان المسلمين بالنسبة لهم هم المنافس السياسي الذي يرغبون في سحقه ولا يستطيعون، الإخوان بالنسبة لهؤلاء هم المنافس السياسي الذي يذكرهم أنه لا ظهير شعبي لهم.
الإخوان المسلمون بالنسبة لتلك الأحزاب الصغيرة، هي تلك الحركة التي تذكرهم دائما أنهم أحزاب تتكون من رئيس الحزب وزوج بنت خالته وجار عمته أحيانا، ولذلك عادة ما تتم مهاجمة الإخوان المسلمين بدعاوى مثل الزيت والسكر ومثل خلط
الدين بالسياسة، وأسخفهم على الإطلاق هي مهاجمة الإخوان لأنهم يخلطون الدين بالسياسة. يا هذا،
السياسة ما خلقت إلا لتكونه تبعا للدين إما ما تعتنقه أنت من أفكار استوردتها من فرنسا في القرن السابع عشر، فأوربا وأمريكا نفسها يتخلون عنها الآن. العسكر يبغضون الإخوان لأنهم يذكرونهم بأنهم عملاء وبأنهم صبية للاحتلال ووكلاء عنه، والأكشاك الحزبية الصغيرة يكره أصحابها الإخوان المسلمين لأنهم يذكرونهم أنهم مجرد لا شيء.
ولذلك فعندما بدأت التجهيزات للانقلاب، انضم كل من يسمون أنفسهم ليبراليين في مصر للانقلاب، حتى اعرق أحزابهم الليبرالية وهو حزب الوفد، انضم للعسكر لسحق الإخوان المسلمين، لعل العسكر (بحساباته) يسحقون الإخوان المسلمين إلى الأبد فلا يعود يحتاج للنزول على قوائمهم أو طلب دعمهم (اتضحت نظرة تلك الأحزاب للإخوان المسلمين من المكالمة المسربة لسيد البدوي).
والبعض الآخر يحتفظ بأضغانه وأدرانه النفسية في نفسه، تفضحه كلمة هنا أو هناك، وبالمناسبة كان أكثر وضوحا حمدين صباحي الذي لم يخف لحظة رغبته في الوصول لمقعد الرئاسة، ولازلت أذكر منظره وهو يحدث الرئيس مرسي في قصر الرئاسة قائلا (وحشتنا يا ريس) وغيره كثيرون. هم يدركون أنه لا ظهير لهم وأنك لو وزعت عدد أفراد الحزب حول (قدرة فول) ليبيعوا للزبائن، لاحتجت لعدد إضافي.
لا يغرنكم الأسماء، فهي أحزاب لا يمكنها حتى المنافسة على كوب نسكافيه وليس مقعد في برلمان، وهم يدركون أنهم في غير ظروف الانقلابات لا يمكنهم الحصول على شيء إلا لو نزلوا على قوائم الإخوان المسلمين، وهذا يصيبهم بالإحباط وبالمزيد من الكراهية للإخوان المسلمين. ولذلك فالعلمانية لا يمكن خلطها بالإسلام ولا ينسجم هذا المكون أصلا مع المزاج المصري العام، فضلا عن أنه في الأساس ليس مكونا بل هم مجموعة من الأفراد يمكن كما قلت أن يقفوا مجتمعين خلف قدرة فول، وتظل محتاجا لعدد إضافي لحسن إدارة (قدرة الفول)، هم فقط يجيدون صناعة الضجيج وهم في ذلك لا يختلفون عن الطبلة.