كتبت مراسلة صحيفة "فايننشال تايمز" هبة صالح تقريرا عن
قمع الدولة
المصرية للبرامج الحوارية التلفازية، وقالت إنها آخر ضحايا قمع النظام المصري.
وتقول الكاتبة: "عندما عادت ريم مجيد، مقدمة برنامج حواري إلى الشاشات المصرية، بعد عامين من الغياب ببرنامجها، الذي يركز على النساء الناجحات، لم تكن تتخيل أنها ستزعج أحدا".
ويستدرك التقرير بأن برنامجها على قناة "أون تي في" توقف بعد حلقيتن فقط من القناة التي يملكها المليونير المصري نجيب ساويرس. وقال المسؤولون لمجيد، المعروفة بسمعتها بتحدي السلطات حول قضايا الحرية والحقوق، إنهم تعرضوا لضغوط من "هيئات سيادية"، وهي رمز للأجهزة الأمنية، لوقف برنامجها. وقالت في مقابلة صحفية: "رفضت في العامين الماضيين العمل في
قنوات غير مصرية، ولكنني اكتشفت الآن أنني ممنوعة من القنوات المصرية".
وتذكر الصحيفة أنه بالرغم من أن ساويرس يؤكد أن تراجع الإعلانات هو وراء وقف برنامج ريم مجيد، وليس بسبب تدخل المسؤولين، إلا أن الشركة المشاركة في دعم البرنامج "دويتشه فيله" أصدرت بيانا شجبت فيه تدخل السلطات المصرية لوقفها البرنامج.
وتبين صالح أن البرامج الحوارية الصاخبة المتعلقة بشؤون الساعة قد أصبحت في مرحلة ما بعد ثورة عام 2011 شعبية ومشاهدة بكثرة في مصر، حيث شارك فيها المشاهدون، وتحول مقدموها مثل ريم مجيد إلى نجوم. ولكن القمع الذي لا يلين، الذي استهدف المعارضين من الإخوان المسلمين والمعارضة العلمانية منذ الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي عام 2013، بدأ يؤثر على ما يشاهده المصريون على شاشاتهم.
ويلفت التقرير إلى أن البرامج الحوارية السياسية لم تعد منبرا حرا للنقاش، ولهذا فقد فقدت الكثير من المشاهدين، وبدلا من ذلك لوحظ تصاعد في المشاعر الوطنية، وظهور برامج تركز على الفضائح الجنسية وقضايا غيبية.
وتنقل الصحيفة عن مدير شركة التسويق "إيبسوس" عمرو قيس، قوله: "يمكننا القول بثقة إن البرامج الحوارية السياسية فقدت 50% من مشاهديها مقارنة بالعام الماضي"، مشيرا إلى التحول عن البرامج الحوارية السياسية إلى برامج أكثر ذات طبيعة مختلفة.
ويعزو قيس هذا التحول إلى عدم الاهتمام، حيث قال إن الناس شاهدوا البرامج السياسية بسبب قلقهم حول التطورات والاضطرابات في البلاد، ولكنهم يرون اليوم أن تلك البرامج "مملة"، بحسب الصحيفة.
وتنوه الكاتبة إلى أن مساحة الحوار أصبحت محدودة، وأصبحت البرامج السياسية تبث رسالة واحدة مؤيدة للحكومة، وتذم معارضيها. فقد تخصصت قناة مملوكة للقطاع الخاص ببث أشرطة وتسجيلات للناشطين والرموز السياسية، في محاولة منها لتشويه سمعتهم وقذفهم. وانتشر شكل من البرامج الحوارية الذي يستقبل من يوصفون بـ"خبراء الأمن"، الذين يناقشون المؤمرات الداخلية والخارجية ضد مصر.
ويورد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، أنه في أحد البرامج الحوارية التي يقدمها مذيع معروف، وهو تامر أمين، وبّخ الأخير المصريين على الهواء، وذم شكواهم المستمرة من زيادة الأسعار وقطع التيار الكهربائي، وقال لهم: "اللي مش عاجبه العيشة في البلد دي، وشايف إن الحياة صعبة.. وأووووف، ومش عارف أعيش، ياخد باسبوره ويورّينا عرض أكتافه".
وتجد الصحيفة أن أكبر ضحايا تكميم الأفواه كان برنامج "البرنامج" لباسم يوسف، الذي قدم برنامجه على غرار البرنامج الكوميدي الذي يحمل الاسم ذاته في أمريكا، ويقدمه الممثل جون ستيوارت. وقام يوسف في فترة حكم مرسي بهجاء الإسلاميين وبلا رحمة، لكن النظام الجديد لعبد الفتاح السيسي لم يتحمله، ولهذا ألغي برنامجه.
وتفيد صالح بأنه حتى المذيعين، الذين لم يحظوا بظهور كبير مثل دينا عبد الرحمن، التي كانت تقدم برنامجا في قناة "سي بي سي"، هي دون عمل منذ توقف عقدها مع قناة خاصة. وقالت إنها واجهت ضغوطا واسعة في الأشهر الأخيرة من عملها، بما في ذلك انتقادات صريحة وحملات على وسائل التواصل الاجتماعي، قد أثرت على نزاهة عملها، فلم يعد حضورها على الشاشة "مقبولا" من السلطات، بحسب ما تقول.
وتضيف عبد الرحمن للصحيفة: "كانت هناك حرية واسعة حتى قبل الثورة أكثر من الآن، وهذا من المفارقات الساخرة". وتقول إن المشاهدين الداعمين للنظام منزعجون لاستماعهم لوجهة نظر واحدة.
وترى الباحثة في مدرسة لندن للاقتصاد في لندن، وتدرس إعلام الدول التي شهدت ثورات عام 2011 فاطمة الصاوي، أن البرامج السياسية في مصر تحولت إلى "صوت شعبي باسم النظام"، حيث يتخلى المذيعون عن الموضوعية لتقديم ما يرونه أنه دور وطني للدفاع عن الوطن.
وتختم "فايننشال تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أنه بتراجع دور البرامج السياسية بدأ أصحاب القنوات بالبحث عن طرق لاستعادة المشاهدين، وهذا يفسر "الأشياء الغريبة التي نشاهدها على التلفاز، مثل قصص الأشباح والجنس؛ في محاولة من تلك القنوات لاستعادة الناس الذين خسرتهم، بسبب تراجع البرامج الحوارية".