كتب فخر الدين ألتون: إلى يومنا هذا كتبت الكثير من المقالات في ما يتعلّق بعملية "السلام الوطنية"، وقلت الكثير من الأشياء عما يتعلّق بها. أقول: لو أنني تطرّقت إلى الجوانب المعيقة للعملية، فإن هذا لن يكون منطقيا ومنصفا في ظل حاجة مشروع السلام إلى من يدعمه لا من يعمل على تدميره وتخريبه، وأعتقد بأن "عملية السلام الوطنية داخل تركيا" ليست مهمة فقط بالنسبة لتركيا بل مهمة لجميع بلدان الشرق الأوسط.
قبل الانتخابات بفترة قصيرة وبعدها، أي في الفترة الحالية، كان هناك ابتعاد جدي عن "عملية السلام الوطنية" وليس هناك أي نتيجة أو خطوة إيجابية حُقّقت بخصوص هذه العملية. ولكن في الوقت نفسه؛ فإن المعادلات القومية والدولية تفرض صعوبة اتخاذ قرار يُنهي عملية السلام الوطنية في الوقت الحالي.
لماذا أصبحت هذه الحالة مفروضة؟ على رأس قائمة الأسباب: لا بد من أن يكون تغيّر الأوضاع الإقليمية والدولية في المرتبة الأولى. ومن هذه الأوضاع المتغيرة يُذكر: تغير سياسة الولايات المتحدة الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط، وأزمة السيادة التي أنتجتها الأزمة السورية داخلها، وفشل الثورات العربية وعودة الأنظمة الدكتاتورية بشكل أقوى، وظهور تنظيم يدّعي الإسلامية تحت اسم "داعش" وتشكيله خطرا جديا على تركيا، ومحاولة إيران وروسيا وإسرائيل التربّص بتركيا وإضعافها.
لكن الظاهر؛ أن تركيا على الرغم من جميع هذه الأمور السلبية فقد استمرّت في الوقوف وراء تحقيق هدفها من إنجاح عملية "السلام الوطنية"، وقدّمتها على شكل مصالحة وطنية داخلية يمكن الاقتداء بها في الشرق الأوسط، هذه العملية تحاول لم شمل أطياف الشعب ليس بالقتل والتدمير وإنما بنشر مبادئ الديمقراطية والحرية والتفاهم والتعايش. وعلى الرغم من توقف تقدم عملية السلام الوطنية في الوقت الحالي، فإنها استطاعت تحقيق نجاح عال وجيد في إرساء الكثير من مبادئ التعايش والتصالح.
ولكن للأسف، فإن عملية السلام الوطنية في تركيا الآن في حالة معطّلة، وذلك بسبب تعنّت حزب العمال الكردستاني، الذي أعلن في بداية العملية أنه مستعد للحل الديمقراطي ومستعد لترك السلاح والانسحاب من المنطقة، ولكن شيئا من هذا لم يحدث.. لم يترك السلاح واستمر بالتعنّت ووضع الشروط القاسية، وزاد في عمليته الإرهابية والاعتدائية في جنوب شرق تركيا، وحاول تصفية جميع العناصر السياسية المخالفة له في الرأي.
الآن، مع ظهور المماثل له في الهدف في شمال سوريا "حزب الاتحاد الديمقراطي" (بي واي دي)، فقد بدأ حزب العمال الكردستاني بالصراخ بصوت عال والتهديد بقلب الطاولة، وهذا هو ما يُعيق العملية في الوقت الحالي.. حزب العمال الكردستاني بعد رؤيته للأحداث المتطورة في شمال سوريا بدأ بالتفكير باستغلال هذه الفرص الاستراتيجية في تأسيس دولة خاصة به وغيّر موقفه "المسالم" من ناحية عملية السلام.
الأوضاع الحالية تُظهِر أن عملية السلام الوطنية باتت أمام طريق مغلق وضبابي، والدولة لا تعلم اليوم من هو المخاطِب الرسمي "الكردي" لها، حتى إن حزب الشعوب الديمقراطية الذي يُعَد الفرع السياسي لحزب العمال الكردستاني أصبح يهدد ويندد بقلب الطاولة وعدم التفاوض، والأدهى من ذلك هو ادّعاء حزب العمال الكردستاني بأن حزب الشعوب الديمقراطية ليس الممثل السياسي له!
في ظل هذه الأوضاع المتناقضة والمتضاربة أصبحت عملية السلام الوطنية في وضع جد خطير، وتركيا أصبحت تحت ضغط كبير، ففي حين أنها تريد إرساء الحلول الديمقراطية في حل المشكلة الكردية فإن حزب العمال الكردستاني يسعى إلى استخدام القوة والانضمام لحزب الـ"بي واي دي" في شمال سوريا للانتفاض ضد تركيا وأخذ بعض المدن الكردية الواقعة في جنوب شرقي وشرقي تركيا!
في هذه الحال نسأل سؤال المستقبل: هل تركيا بالفعل على عتبة باب انهيار عملية السلام الوطنية وبدء الاقتتال الداخلي "الشرس" بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني الساعي للانضمام لحزب الـ"بي واي دي" وتحقيق هدف تأسيس الدولة الكردية في المنطقة..؟