في التصور الإسلامي الذي رُبينا عليه أن
الحسد أول معصية في السماء، وفي الأرض أيضا، وفي تصور عالمة النفس السريري (العيادي) د. ماري لاميا أنه تمظهر لإحساس المرء بالعار وفق نظرية الأثر (تومكينز، 2008).
هو إحساس منطلق من شعور الحاسد بتهديد قيمته، وفضح عورته الداخلية (كاثيرال، 2012)، وهو عند ابن منظور العداوة المستكنَّة في الصدر والتحيُّن لفرصتها.
كان أسود أيام الجامعة هو اليوم الذي أشرف فيه بثناء الأساتذة، كان أتعس يوم لأنه اليوم ذاته الذي تشتعل فيه صدور الزملاء بالحقد والكراهية والتحين لفرصتها، كما قال ابن منظور.
قائد الجوقة كان حاملا لكتاب الله ذا همة تجعله كل يوم يُسمِّع لنفسه خمسة أجزاء من القرآن، وفي النصف الآخر من شخصيته يعلق على حائط غرفته بالمدينة الجامعية جدولا يلخص فيه كيف يتعامل المسلمون مع القرآن في مجتمعاتنا المتخلفة: اسم المسابقة ومكانها، والأهم هو قيمتها المادية التي هي بالطبع وحصريا جزاء حفظ القرآن، وقد كان مدمنا لأفلام البورنو، ولا شأن لي، هو حرّ، المشكلة في إصراره على المجاهرة، وجمع الصحاب لمشاهدة أحدث المقاطع على الإنترنت مع ما تيسر من سب الدين عند الغضب، ثم إن تحدثتُ في محراب العلم -وهو الجامعة- عن المعرفة والتاريخ والفكر والأدب صرت ألد أعدائه، إنها ثقافتنا التي تشجعنا على ذلك.
هي الثقافة التي إن لم يحدث تفكيك عاجل لها وإعادة هندستها لن تحقق معنا كبرى الثورات أي فرق أو أثر، لأن الفكر مقدم على الثورة والسلوك مقدم على البناء.
فالحسد -كما تقول الدكتورة- هو آلية حماية ذاتية يلجأ إليها الحاسد للدفاع عن تآكل شخصيته، ما يخلق في طياته سلوكا عدوانيا يفرح فيه بالأذى، ولا يرضى إلا بهدم المحسود، على حد ما قال أبو حنيفة: كل الناس تصح مودته إلا الحاسد؛ فإنه لا يسره إلا زوال النعمة.
وفي مصر يا أبا حنيفة يكون زوال النعمة وهتك العرض وبحور الدم أيضا؛ لأجل الاستواء على الأريكة المصرية.
في مسلسل الخواجة عبد القادر يقول المعلم لتلميذ نَقِمَ على مكانة عبد القادر لديه: "قم واغسل قلبك من الحسد ثم عُدْ"، فيا ليت لنا بمثل هذا المعلم، وليت درسه هذا يكون أول الدروس، لكن سرعان ما خاب المسلسل، وصار سخيفا وتافها؛ إذ تُحشر فيه مشاهد عبثية كالعادة لحب بين رجل وامرأة، وكأن الهرمونات ملاك لا يعض، أو بالأحرى هاجس كل حيّ!!
وأما في مسلسل الغزالي، فقد جسد المعنى الذي أرمي إليه ما كان من حسد علي لمحمد الغزالي، والفرق بين المسلسلين هو الفرق بين كاتبيهما، بين العادي عبد الرحيم كمال والقدير محمد السيد عيد.
وخلاصة المختصر ونقاوة المعتصر (أحد عنوانات الغزالي)، فيما أود قوله هي في مقولة محمود سعد في عهد
مرسي: ماذا تظن نفسك يا دكتور مرسي؟ أنسيت أمك الفقيرة وهي ترسلك لتجلب لها الخبز، من تظن نفسك!
هو الحقد الممزوج بالعنصرية المخلوطة بالدناءة والحقارة بما تنطع به قلم هيكل ذاته المتقيح عن أم السادات وتعيير السادات بلونه ولون أمه وأنها أمَة، هذا الهيكل الذي شتم مبارك وافتكس حوارات عجيبة يقول للمذيعة المجرمة لميس الحديدي إنه شخص مؤدب، ولا يحب أن يذكر أحدا بسوء، مؤدب فعلا!!
على كلّ، ليس غريبا أن نتحدث عن الحسد، فكلامي يتقاطع مع كلام ديفيد إجناتيوس في واشنطن بوست عن البارانويا التي ستأكل
داعش، وتعمد المخابرات الغربية بث البغضاء والشك بين الجماعات بعضها البعض.
لكن أخوف ما أخافه على مصر ليس أن تحل محل الأندلس في كلام ابن حزم عن اختصاصها بالحسد والحقد، بل في أن تصدق فيها -لا قدر الله- كلمة صديق باكستاني: "يا محمود مصر بلدكم لسة ليها زلطة وتبقى بزرميط.... زي بلدي باكستان!"