تفاءل الأسد بنجاح المفاوضات
الإيرانية مع الغرب وتوقيع
اتفاقية النووي الإيراني، ورأى فيها منعطفا جوهريا في تاريخ إيران وتاريخ دول المنطقة، ولفت إلى أن إيران ستكثف من جهودها لدعم قضايا الشعوب العادلة، وستعمل من أجل إحلال السلم والاستقرار في المنطقة والعالم، متوهما بأن الاتفاق الذي حصلت عليه إيران سيكون دافعا لمزيد من الدعم لنظامه ووجوده على سدة الحكم في سوريا.
كان للأسد الحق في هذا التفاؤل، وربما من يقف على تفاصيل الدعم الإيراني لنظام الأسد ومنذ بداية انطلاق الثورة الشعبية ضد نظامه، والذي يقدر بما يقارب 80 مليار دولار، يقول بأن تخفيف العقوبات الاقتصادية على إيران قد يسمح بمزيد من الدعم لنظام الأسد المتهالك، ولكن للواقع فرضا مختلفا.
وهنا نتساءل هل نجاح الدبلوماسية الإيرانية مع دول الخمسة زائد واحد وتوقيعها الاتفاق النووي سيسهم حقا في دعم وجود الأسد؟ أم أنه بداية منعطف حقيقي في العلاقات السورية – الإيرانية؟
الضغوطات على الحكومة الإيرانية داخليا وخارجيا بدأت تتصاعد بشكل متسارع ومرعب لنظام خامئني، وعلى الرغم من الدعاية الإعلامية الكبيرة التي تحاول تقييم الاتفاق النووي الإيراني على أنه نجاح وانتصار للدبلوماسية الإيرانية إلا أن للإيرانيين رأيا مختلفا، فحسب وكالة أنباء فارس اعتبر الناطق باسم المرشد الأعلى أن الشروط التي تم الإعلان عنها تعني التخلي عن حصان محمل، والحصول بالمقابل على لجام مقطوع! وأما المعارضة الإيرانية فرأت أنه -على الرغم من الامتيازات غير المبررة والممنوحة في الاتفاق لنظام الملالي- تنازل مفروض وخرق للخطوط الحمراء المعلنة من خامنئي، والذي كان قد أصر عليها كثيرا طيلة 12 عاما، وبأن هذه التنازلات من شأنها أن تؤدي إلى احتدام الصراع على السلطة في قمة النظام واختلال توازنه الداخلي ضد الولي الفقيه العاجز وبأن الصراع سيستشري في جميع حلقات النظام (حسب تعليق السيدة مريم رجوي زعيمة حركة مجاهدي خلق المعارضة).
نبقى في الداخل الإيراني المتوتر، والذي فاض به كأس الفقر من أجل الصراعات التي يقودها زعماؤهم، والتي لم تؤثر إلا في تراجع حالة الأمن والاستقرار في بلدهم، وبعثت قلق الاستهداف في أي لحظة من قبل الدول التي تستفزها حكوماتهم عبر دعمها لأنظمة الاستبداد ومرتزقة السياسة في العالم العربي، وحتى من يؤيد من الشعب الإيراني لسياسة حكومته الخارجية، نجده اليوم في قلق واضح حول حقيقة الانفراج الموعود في حال رفعت العقوبات الدولية عن نظام خامئني الذي ترك للشعب الإيراني حصرا ألم المعاناة منها، دون أن يتأثر يوما أي من رؤوس نظامه بها. والسؤال الذي يثير نفوس الإيرانيين اليوم، هل ستنفق عوائد رفع العقوبات الاقتصادية على البيت الإيراني؟ أم أنها ستستنزف كما استنزفت دماؤهم في صراعاتهم مع العرب التي لا ناقة لهم بها ولا جمل؟
حقيقة إن التزايد غير المتوازن للإنفاق العسكري لإيران قد أثر سلبا على النمو الاقتصادي للبلاد فمن تراجع في معدلات الادخار والاستثمار إلى تحول إيران إلى أراض مشتعلة لا يؤمل منها فاكهة ولا ثمر، وتشير الدراسات العسكرية إلى أن أي تزايد في الإنفاق العسكري يسبب بالضرورة تراجع الإنفاق في قطاعات الصحة والتعليم، كما ينتج عن ارتفاع الإنفاق العسكري أيضا مزيد من العجز في الموازنة والديون، وارتفاع في معدلات الضرائب، وتراجع في إنتاجية القطاع الخاص. فإلى متى سيدفع الشعب الإيراني ضريبة بقاء الأسد؟ وهل سيصمد نظام الخامنئي في حال استمر في سياسته الخارجية ذاتها ودعمه لنظام الأسد وأنظمة الإرهاب في المنطقة؟
إن نجاح الدبلوماسية الإيرانية في التفاوض على ملفها النووي إن دل على شيء فإنما يدل على تفهم وانصياع إيراني كامل لرغبة المجتمع الدولي وسياسته، ففوز إيران بصفقة نووي ناجحة مع الغرب سيقود بالضرورة إلى خسارة للغرب أمام إيران، وهذا ما لا نعتقد بقبوله واقعا تمضي إلى توقيعه مجموعة الخمسة زائد واحد، لترفع إيران إلى مصافي القوى العظمى.
واليوم وبعد تورط إيران بالاتفاق النووي، وفي ظل تصاعد الاحتجاجات الداخلية من المؤيدين قبل المعارضين لنظام الملالي، أمام الدبلوماسية الإيرانية خياران لا ثالث لهما، إما أن تواجه التحديات الداخلية التي يعيشها البيت الإيراني وتتصدى لها، وتخفف من استنزاف مقدرات شعبها لرأب الصدع الذي باعد بين الشعب والنظام، هذا الصدع الذي سيحمل نتائج كارثية على
نظام الملالي في حال غض النظر عن خطورته والتقليل من أهميته، وإما أن تستمر في دعم أنظمة الإرهاب في العالم والتصدي لإرادة شعوب الشرق الأوسط، كنظام الأسد الذي اقتنعت بأن بقاءه قد شارف على النهاية، وأن كل ما أنفقته من مساعدات بمختلف أنواعها وعلى حساب شعبها واستقراراها وأمنها لم تحصد منه خلال السنوات الخمس من الصراع إلا دورها كسلطة مكلفة مؤقتة من قبل
نظام الأسد الفاقد للشرعية والأهلية، وهي اليوم تقامر على دور لها في مستقبل سوريا متجاهلة كمّ العداء الذي يكنه لها الشعب السوري الذي بخسارته ستخسر أي أمل بمصالح قادمة على الأراضي السورية.