يجلس سائقو سيارت الأجرة الأردنية العاملة على خط
سوريا، والذين يُعرفون بالتسمية المحلية "البَحّارة"، يندبون حظهم ويشكون الفقر، بعد أن كانوا ينعمون برزق وفير، قبل اندلاع الصراع في الجارة الشمالية منذ أكثر من أربعة أعوام.
فالأوضاع الأمنية المتردية في سوريا، وإغلاق الحدود بين البلدين، ألقت بظلالها السلبية على هؤلاء السائقين الذين كانوا يجنون ربحا كبيرا، لقاء نقل الركاب والبضائع بين سوريا والأردن ذهابا وإيابا، فأصبحوا يبحثون عن أي عمل، لكسب قوت يومهم.
مراسل "الأناضول" تجول في مدينة
الرمثا الحدودية مع محافظة درعا السورية، والتي تعتبر معقل الـ"البحّارة"، وتحدث إلى عدد منهم، وقد تقاطرت مركباتهم وقوفا خلف بعضها البعض دون أي حراك، أو هدير محرك، سوى من صوت المطربة اللبنانية فيروز، ينطلق من مذياع إحداها المغبرة، وكأنها تحكي حالهم وذكرياتهم مع الحياة الهانئة التي عاشوها منذ أعوام، بكلمات أغنيتها "اذكريني واذكري عهد الهَنا... أترى عشتِ إذا لم تذكرِ..).
السائق (ع.ز) الذي فضّل وزملاؤه عدم ذكر أسمائهم كاملة، بدت عليه علامات اليأس والإحباط، وهو ينفث دخان سيجارته، متحسرا على أيام كان يعيش فيها حياة كريمة، قائلا إنه بعد إغلاق الحدود لم يعد بإمكانه العمل كما كان في السابق، حيث كان ينقل الفواكه واللحوم والمواد الغذائية المعلبة.
أما زميله "البحّار" (م.ف)، فقال إنه تحول للعمل إلى خط الأردن-السعودية، بواقع نقل حمولة واحدة كل ثلاثة أيام، لكن ذلك لا يوفر له لقمة العيش التي تكفيه مع عائلته أو يعوضه عن الأرباح الكبيرة التي كان يجنيها من عمله سابقا على خط الأردن-سوريا.
ويعود سبب تسمية هؤلاء السائقين بـ"البحّارة"، لموقع "الرمثا" الجغرافي، التي تعتبر الميناء الشمالي البري للأردن، حيث إن أغلب البضائع يتم إحضارها عن طريق هؤلاء "البحارة" من سوريا.
وبينما كان يتجول بسيارته في أحد شوارع المدينة، لشراء حاجيات البيت، برفقة زوجته، استوقف مراسل "الأناضول" السائق (ع.س)، وبسؤاله عن وضعه المعيشي حاليا، بعد اندلاع الصراع في سوريا، أجاب: "الوضع الذي حلّ بنا، هو أننا لم نجد عملا بديلا، والجميع يقدم لنا وعودا بحل المشكلة، ولكن دون جدوى".
محال الرمثا التي كان بيع البضائع السورية فيها يمثل تجارة رابحة، تشهد هي الأخرى، هذه الأيام، ركودا وتراجعا اقتصاديا، حيث هجرها الزبائن إلى أسواق أخرى لتلبية احتياجاتهم، الأمر الذي دفع بعدد من أصحابها إلى الإغلاق، وآخر إلى البحث عن بضاعة بديلة يُرضي بها الزبون.
في السوق التجاري المخصص للبضائع السورية، وسط الرمثا، قابلنا التاجر (م.ش) الذي يبيع مستحضرات تجميل، وقد بدت عليه علامات الإحباط من الوضع الذي أصبح عليه السوق.
وقال التاجر: "منذ عام 1998 وأنا أعمل في بيع المواد الغذائية السورية، ونتيجة لإغلاق الحدود، لم تعد تصلنا بضائع البحّارة ذات الجودة العالية، والسعر المعقول، لذلك توجهت لبيع مواد التجميل الصينية والماليزية الصنع، على أمل تحقيق كسب يؤمن حياة كريمة لي ولعائلتي".
وأضاف: "كما ترى، هذا المحل الكبير، كان مليئا بالبضائع السورية، وكنت أستعين بمستودعات أخرى لتخزينها، لكن الآن لا شيء نبيعه، كل شيء تغير، حتى وجوه الناس أصبحت شاحبة من العوز وضيق ذات اليد".
وعلى مقربة منه، جلس الحاج أبو القاسم، الذي يملك محلا كبيرا لبيع المواد الغذائية، يتحدث عن أوضاع السوق، و"البحّارة"، قائلا: "السوق لم يعد كما كان في السابق، الزبائن الذين كانوا يأتون من كل المدن لشراء حاجياتهم من المواد الغذائية، والملابس التي تأتي من سوريا عن طريق البحّارة، بحثوا عن أسواق بديلة".
واستدرك بالقول: "سائقو
سيارات الأجرة بين الأردن وسوريا أو من يسمون بالبحّارة، البعض منهم دفعتهم الظروف المعيشية الصعبة نحو المجهول، فثمة من تترتب عليه أقساط شهرية لبيت أو سيارة كان اشتراها سابقا في مرحلة الرخاء، وهناك من أخرج أبناءه من الجامعات عندما عجز عن دفع أقساط الدراسة، ومنهم من بات مهددا بالسجن لأنه لم يعد بمقدوره دفع ديون مترتبة عليه".
وفي عام 1999 وقّع الأردن مع الحكومة السورية، اتفاقية في مجال النقل البري، ومثلها مع المملكة العربية السعودية، عام 2001.
وفي تصريح للأناضول، قالت عبلة وشاح، مديرة الإعلام والاتصال في هيئة قطاع النقل البري الأردنية (حكومية): "لقد انعقد مطلع الشهر الماضي، اجتماع عام مع المشغلين وسائقي سيارات خط الأردن-دمشق-بيروت، لحل مشاكلهم بشكل جذري، وإعطائهم تصاريح تاكسي (نقل ركاب بالأجرة)، داخل المحافظات".
وبيّنت وشاح أنه "تقدم للهيئة 409 طلبات من أصل 700 سيارة (تتسع لأربعة ركاب) تعمل على خط سوريا، وتم تشكيل لجنة من الهيئة وأمانة عمان ومديرية الأمن العام، بكافة إداراتها المعنية، وتم فرز الطلبات المقدمة بحسب الرغبة، ضمن القرعة، وتم التوزيع بشكل عادل وشفاف".
وأظهرت نتائج القرعة، بحسب وشاح، حصول 120 سيارة على خط عمان (وسط البلاد)، و100 على خط محافظة الزرقاء (شمال شرق البلاد)، و100 على خط محافظة إربد (شمالا)، في حين أن البقية سيتم تشغيلها ضمن خطوط أخرى.
وأشارت المسؤولة نفسها إلى أنه سيتم فتح باب التسجيل أمام السائقين الذين لم يتقدموا بطلبات، وذلك بعد الانتهاء من استكمال إجراءات السيارات التي تم تحويلها.
ويرتبط الأردن وسوريا بمعبرين رئيسين هما (درعا-الرمثا) و(نصيب-جابر)، الذي يبعد عن الأول بمسافة كيلومترين اثنين فقط، وسيطر مقاتلو المعارضة السورية منذ أكثر من عام ونصف العام على الأول، قبل أن يقوموا بالسيطرة على الثاني، في وقت سابق من هذا العام، ليغلق المعبران بعدها بشكل رسمي.
ومعبر (نصيب-جابر) الذي سيطرت عليه المعارضة السورية مطلع نيسان/ أبريل الماضي، هو المعبر الأكبر بين البلدين، ويقع بين بلدة جابر الأردنية في محافظة إربد (شمالا)، وبلدة نصيب السورية في محافظة درعا(جنوبا).. وكان أكثر المعابر ازدحامًا على الحدود السورية، حيث كانت تنتقل عبره معظم البضائع بين سوريا وكل من الأردن ودول الخليج العربي.
ويزيد طول الحدود الأردنية السورية على 375 كم، يتخللها عشرات المعابر غير الشرعية التي كانت وما زالت أماكن لدخول اللاجئين السوريين إلى أراضيها.