قطعت الحرب الدائرة في البلاد السبل بكثير من السوريين، وأفرزت مخلفاتها واقعا إنسانيا صعبا، ودفع الأطفال وكبار السن فاتورة الحرب الأكبر، ففي الوقت الذي كانت تعتبر
سوريا من البلدان الأقل عددا في دور العجزة والمسنين عربيا وعالميا سابقا، وذلك لقوة ركائز العلاقات الأسرية، ومتانة التكافل الاجتماعي، تسجل البلاد حاليا ارتفاعا حادا في كثرة أعداد الحالات الإنسانية لمسنين فقدوا عوائلهم لسبب أو لآخر، تزامنا مع غياب الدولة ومسؤولياتها عن ذلك في الكثير من المناطق السورية.
هذا الوضع استدعى قيام مبادرات شخصية لأشخاص مهتمين في هذا الشأن لرعاية المسنين الذين فقدوا عوائلهم، وتشكل دار العجزة التي أقيمت في مخيم معبر
باب السلامة الحدودي شمالي مدينة حلب واحدة من هذه المبادرات.
يضم مخيم السلامة حوالي 10 آلاف نازح، يعانون أوضاعا إنسانية صعبة، ويشتكون من ضعف الخدمات المقدمة، ويعود ذلك لطبيعة المخيم الذي أقيم أساسا لاستقبال النازحين بشكل مؤقت على الحدود ريثما تقوم السلطات التركية باستقبالهم في المخيمات التي أقيمت على أراضيها، لكن إغلاق السلطات التركية أبوابها أمام النازحين أدى إلى تحويل هذا المخيم من مخيم مؤقت إلى دائم يستقبل أعدادا تفوق طاقته الاستيعابية.
وللمسنين وغيرهم من الحالات الإنسانية الأخرى هنا قصص مشابهة لغيرهم في عموم البلاد، ونظرا لكثرة الحالات الإنسانية فقد اضطرت إدارة المخيم مؤخرا إلى انشاء قسم خاص للعناية بهذه الحالات.
ولأن المدرسة، والبيت، والمستشفى
خيمة، هنا فالدار أيضا خيمة، ولكنها من المقاس الكبير، المخصص لمناسبات الأفراح سابقا، حين كانت هناك أفراح، كما يقول معاون مدير المخيم نزار أبو بكري، مضيفا كان لابد من ذلك، فالواقع هنا أصعب مما يتصور الجميع.
ويضيف في حديثه لـ"
عربي 21": "قمنا بتجهيز هذه الدار بكل الوسائل والأدوات اللازمة، من مطبخ ومرفقات ضرورية، وبكادر مؤلف من أربعة موظفين متفرغين بشكل كامل للعناية بالحالات التي بين أيدينا، ولكن يشكل غياب التمويل هاجسنا الأول".
ويضيف أبو بكري: "إن لم نقف بجانب هؤلاء فنحن مسؤولون أمام الله، كنا سابقا لانشاهد هذه الحالات بكثرة، لكن حاليا هذه الحالات في تزايد، وخصوصا عندما يهاجر الأبناء إلى خارج البلاد، ويتركون خلفهم كبار السن، كما هنالك حالات هنا لأشخاص مختلين عقليا قرر أهاليهم التخلي عنهم وإرسالهم إلى هنا".
ومثل العديدين من أمثاله ينتظر المسن عبد الله (85 عاما) -وهو مستلقي على سريره في إحدى زوايا الخيمة-، أحدا يأتي لزيارته، لكن انتظاره بلا جدوى، فلا أحد يعرف شيئا عن عائلته، عندما عثر عليه وهو جالس في ظل خيمة وحيدا.
وإلى جانب عبد الله لايدرك عدنان ماراديني (35 عاما) المريض بقصور عقلي، أين هو ولا من جاء به إلى هنا، لكنه لايتوقف عن إطلاق ضحكات مدوية بين الفينة والأخرى، قبل أن يعود لحالة الصمت التي يتقنها أيضا كما تلك الضحكة.
يقول أبو بكري: "كنت على علم مسبق بحالة عدنان سابقا، وعند إنشاء الدار جئت به إلى هنا، له أخوة تخلو عنه، وسكنوا في مناطق متفرقة بعد نزوحهم من حي مساكن هنانو شرقي حلب".
وعلاوة على الخدمات اليومية التي تقدم للمسنين هنا، تقوم الإدارة أيضا بمتابعة شؤونهم صحيا، فغالبية المقيمين هنا والبالغ عددهم ثماني حالات هم من المرضى.
ورغم ضعف التمويل لكن أبو بكري أخبر "
عربي 21" أن العمل جاري على إنشاء خيمة أخرى مخصصة للنساء المسنات، بعد أن استطاع تأمين ثمنها، بالإضافة إلى تأسيس خيمة أخرى لغرض استقبال المرضى الذين يقصدون الأراضي التركية، والذين قد يضطرون إلى انتظار موعد دخولهم إلى الأراضي التركية.