قلبي على كتاب هذه الصحيفة، لأنهم حزانى وغاضبون، بسبب بؤس الحال، وما يعتبرونه سوء المآل في بلدانهم ومنطقتهم في الزمن الراهن، في حين أنه من المفترض أن طول الجرح يغري بالتناسي، فسوء الحال السياسي والاجتماعي والاقتصادي في بلاد "من المحيط إلى الخليج"، ظل القاعدة على مدى قرون، وما استجد هو ارتفاع معدلات الوعي بين الشعوب، وتوفر وسائط الإعلام التي لا سلطة لرقيب جهول عليها، (لو كان الأمر بيد الحكومات العربية، لقصفت "عربي 21" بالفيروسات المتفجرة فجر كل يوم، لأن معظم – إن لم يكن جميع - من يكتبون فيها من "المغضوب عليهم"، ويتطاولون على أصحاب الجلالات والملالي والسعالي، وهذا لقب فخيم لأن حامله يجمع بين السعادة والمعالي.
يا قوم لا ترهقوا أعصابكم، واعلموا ان "الوعي"، في الظروف الراهنة، ضار بالصحة النفسية والعقلية، ويسبب ارتفاع ضغط الدم الشرياني، والسكري من النوع الثاني، وحصوات المثاني، وفشل "الكلاوي"، وما إلى ذلك من "بلاوي"، ولهذا نصحنا شاعر عاقل قبل قرون ب: ناموا ولا تستيقظوا / ما فاز إلا النُّوَّم. وقالها الرجل الذي كان ينام ملء جفونه عن شواردها، بينما الخلق يسهر ويختصم حول شعره: ذو العقل يشقى في النعيم بعقله / وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم.
يعني غياب العقل والوعي مفيد للصحة النفسية والجسدية، فقد مرت أكثر من ألف سنة وأمة الأعراب في حالة غيبوبة، ومع هذا تناسلت وتكاثرت، لأنها قبلت بتفسير الحكام ل"لكلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته"، بأنه يعني أن الحكام رعاة والشعب بهائم والأوطان زرائب.
مثلا، الزميلة آيات عرابي زعلانة، لأنها تعتقد أن حكومة السيسي في مصر لم تحفر قناة موازية لقناة السويس الأصلية، بل مجرد ترعة. طيب هل الجامعة العربية "جامعة" أم أن اسم "روضة" كثير عليها؟
والزميل سليم عزوز محتار في مكان نوم السيسي! يا عزيزي "ينام ع الجنب اللي يريحه"، وأنت بالذات بحاجة إلى جلسات علاج مطولة، كي تتعلم كيف تنام هانئ البال، فقد لاحظت على مدى سنوات ظللت أقرأ لك فيها، أنك زعلان "على طول"، ولم تكن راضيا عن حسني زوج سوزان ثابت، ولما اقترحوا جمال بديلا له، كدت تشق ثيابك، وجاء السيسي، فإذا بك تكاد تميّز من الغيظ. فمتى تقتنع بأنك وأنا وهو وهي "ما عندناش كلمة.. واللي يتجوز أمي أقول له يا عمي"؟
والزميل نزيه الأحدب ربط بين أزمة تراكم القمامة في شوارع بيروت، وفساد حكام لبنان وقال عن ذلك "فعلا طلعت ريحتكم". ما الجديد في الأمر يا صديقي الفاضل؟ بل، يفترض أن أي لبناني عاقل فقد حاسة الشم والفهم منذ أواسط سبعينيات القرن الماضي، وعليك يا نزيه أن تعتصم بحبل (وليس حزب) الله، وعليك بنفسك، ولا تشغل نفسك بآذار أو عشتار ونافخي النار.
فقط الزميل محمد أبو رمان يوافقني الرأي إلى حد ما، بقوله إن منطقة الشرق الأوسط دخلت مرحلة هستيريا جماعية وبائية، والمصاب بالهستيريا خطر على نفسه وعلى غيره، وبالتالي يا كتاب "عربي 21"، ركزوا على الوعي ب"الذات"، وليس الوعي السياسي، لتفادي عدوى تلك الهستيريا، فنفقد بفقدكم قواكم العقلية ما تبقى لنا من ذوي العقول، فتصبح الساحة كلها تحت تصرف العجول.
عندما كثرت الجعجعة حول محو إسرائيل من الوجود في مصر السبعينيات، دون أن يرى الناس طحنا، خرج علينا عبقري الكاريكاتير صلاح الليثي، برسم لشخص يقول لآخر مصاب بنزلة برد: لما تعطس ودي وِشّك (وجهك) ناحية إسرائيل.
والشاهد هنا، هو أن أهل الحكم عندنا صمٌّ، بُكم، عمي، ويبيعون لنا غث الكلام، بينما كلام الصحفيين لا يدخل آذانهم، وقد يدخل من أُذن ويخرج من الأخرى، لعدم وجود مادة صلبة نوعا ما بين الأُذنين تحجز الكلام وتحلله، وتذكروا يا أصحاب الأقلام أن الحوتيين (بالتاء) ظلوا في الساحة قبل الحوثيين بعقود أو قرون، ولا عليكم ب"الحشد الشعبي"، فجميعنا مجرد "حشو شعبي"، وظللنا مدشدشين ومدعدشين على أيدي أولي الأمر.. وسنظل إلى بعض حين.
ويا زملائي الكرام، الضرب في الميت حرام، فارحموا موتانا المحنطين في القصور، وركزوا على راحة بالكم الشخصية، ولا تنكأوا جراح القراء، فالذي فيهم يكفيهم، ثم ما جدوى الكلام إذا كان في أُذن من يتلقاه وقْر؟