كتب أوزجان تكيت: لا أنسى الدراسة التي تناولت موقف
إيران من "مرحلة السلام" في
تركيا، عندما بدأت بها الحكومة التركية، لإحلال السلام في تركيا، والتصالح مع المكون الكردي. الدراسة التي طرحها، منصور آق غون، وهو أحد الكتاب والمحللين الأتراك، قال فيها "إن إيران هي أكثر المنزعجين والممتعضين من مرحلة السلام؛ لأنها قلقة من انتقال الديمقراطية إلى أكراد إيران وتأثرهم بها".
هذا كان رأي آق غون، لكن لابد أن هنالك أمورا أخرى تُزعج إيران من مرحلة السلام. فنجاح تركيا في تحقيق أهداف هذه المرحلة سيحقّق لها الفوز على منافسها التقليدي (إيران)، وتتقدّم عليها من ناحية القوة الاقتصادية. وإلى هذا التاريخ قبل البدء بعملية السلام، كانت دول المنطقة "إيران،
العراق، سوريا، تركيا" قد أبرمت اتفاقا غير مكتوبا بينها على إبقاء أزمة
الأكراد مستمرة، وعدم المساس أو التأثير في أكراد دول الجوار.
هذا الاتفاق تبدّد في العراق أولا، عندما سقط، صدام حسين، وتشكَّل حل للمسألة الكردية ذاتيا. وحرب سوريا الداخلية قوّضت هذا الاتفاق بدورها. وبدخول تركيا عام 2013 طريق مرحلة السلام لحل المسألة الكردية، بقيت إيران منفردة لوحدها بالإبقاء على الأزمة الكردية لديها.
لكن الزمان والأحداث تتغيّر بسرعة في منطقتنا، ففي الأسبوع الذي تلكأ فيه سير مرحلة السلام في تركيا، قام رئيس إيران حسن روحاني، بزيارة للمناطق الكردية في إيران، وهذه الزيارة كانت أول زيارة له للولايات الكردية بعد الاتفاق النووي مع الغرب، مما وضع تساؤلات واستفسارات حول هذه الزيارة. وبشّر روحاني الأكراد بإمكانية تعليم اللغة الكردية بشكل رسمي لأول مرة في تاريخ إيران، وأرسل رسالة تضمّنت لغة الوحدة. لكن الكلمة الأبرز التي نطق بها روحاني كانت "لن نكتفي بحماية كردستان، بل سندافع عن أربيل، ودهوك، والسليمانية ونطهّر كافة المناطق من
الإرهابيين".
لا تترك كلمة روحاني، مجالا للتحليل، لاسيما أن رسالته كانت واضحة ولا يوجد داع للتفسير. يحاول روحاني استثمار خطر تنظيم داعش، ليقوّي حِس انتماء الأكراد في إيران لدولة إيران. ويظهر للأكراد أن إيران تتولى حماية الأكراد من خطر داعش في المنطقة جمعاء. وبهذا تكون إيران، استطاعت استثمار خطر تنظيم داعش في الداخل والخارج لصالحها، على عكس تركيا التي انقلب خطر التنظيم ضدها. فبعد المجزرة التي نفّذها تنظيم داعش في منطقة سوروج التابعة لمحافظة شانلي أورفة (جنوب)، وصلت مرحلة السلام إلى نقطة الانتهاء وضياع جهود هذه المرحلة. هذا عدا الاتهامات الباطلة التي تأتي من الخارج لتركيا، بدعمها لهذا التنظيم.
بعد ثلاثين سنة من الصراع، استطاعت تركيا أن تُذيق الأكراد طعم السلام، من خلال مرحلة السلام. ورأينا هذا عبر تطور القطاع الاقتصادي في المناطق الشرقية والجنوب شرقية لتركيا. ومع تشجيع الحكومة لرجال الأعمال شهدنا نمو الاستثمارات في المنطقة.
لكن بعدما شهدته تركيا من عمليات حزب العمال الكردستاني، وتنظيم داعش، قُلِبت الأمور على عقبها. حتى أن أحد الأصدقاء قال عن تدهور الأوضاع هناك، "ما إن شاهد المستثمر حرق العربات الحكومية، حتى علّق كل مشاريعه الاستثمارية التي كانت تعيل عوائل كثيرة، وغادر المنطقة".
في هذه الدورة التي يتحكّم حزب العدالة والتنمية الحاكم بها، مع أكبر الأحزاب المعارضة مثل الشعب الجمهوري لحل المسألة الكردية، يصعب تصور عقلية حزب الشعوب الديمقراطي الذي نجح في إدخال 80 نائبا من حزبه إلى قبة البرلمان التركي في معارضة الحزب الحاكم لإيجاد حل للمسألة الكردية. وحجة إنهاء حزب العمال الكردستاني وقف إطلاق النار مع تركيا لأن تركيا تبني سدودا مائية في المناطق الشرقية!؛ إنما هي حجة لأجل الحجة فقط، ولا يوجد سبب حقيقي لإنهاء وقف إطلاق النار، وهو دليل أن حزب العمال الكردستاني اختار الحرب عوض السلام.
ولأن جلّ أصوات حزب الشعوب الديمقراطي استجلبها من المناطق الشرقية، لذا فهو الحزب الأول في هذه المناطق، وتقع على عاتقه مسؤوليات كبيرة. فهو يمثّل عامل السدود، وراعي الأغنام وبقية الناخبين، ولا يمكن أن يتهرّب من مسؤولياته أمام هذه الشريحة الواسعة، وعليه أن ينظّم خطابه بما يلقى الترحيب في نفوس ناخبيه. وانطلاقا من هذا الحس، كان لزاما عليه أن يندّد بعمليات حزب العمال الكردستاني الإرهابية، والتي شرعت في اغتيال السكينة والطمأنينة في المناطق الكردية.
والحزب الثاني في المنطقة الشرقية "حزب العدالة والتنمية" يجب أن يمد يد العون لحزب الشعوب الديمقراطي لتحقيق هذا الأمر. واعتقد أن وجود هذين الحزبين في المنطقة دون عمل سياسي جاد، سيذهب بديمقراطية تركيا نحو المجهول.
(عن صحيفة خبر توك التركية، مترجم خصيصا لـ"عربي21"، 5 آب/ أغسطس 2015)