كتاب عربي 21

نور الشريف.. سؤال "المصير"

محمد طلبة رضوان
1300x600
1300x600
السينما قصيدة درامية تتحرك، وأعذب السرد أكذبه، "المصير" يقول لنا ذلك، يوسف شاهين، ذلك المجنون، ونور الشريف، ابن رشد المتخيل، دعك من خلافات التاريخ، لم يكن "جو" يجتر أحداثا خاملة، كان يرسم الواقع بريشة التاريخ، كان يحلم.

الآن قل لي، كيف يتسامح المغني "مروان" (محمد منير) مع طعنة في رقبته، خنقت صوته، وكادت أن تودي بحياته؟ كيف يعفو عن صاحب الطعنة بعد أن يعرفه، كيف يحكم عليه ابن رشد (نور الشريف) هذا الأخير بالسجن خمس سنوات بدلا من السجن مدى الحياة أو القتل كما أشار عليه الشيخ رياض (أحمد فؤاد سليم) لماذا لم ينفذ فيه شرع الله، الظاهر، وهو القاضي، هل كان القضاء "شامخا" أيام الأندلس، أم كان صاحب "مناهج الأدلة" قاضيا "إصلاحيا"؟!!!

اختار "مروان" أن يكون والدا لابن الخليفة الأصغر، "عبد الله" (هاني سلامة) ذلك الذي "لم يجد من يحنو عليه"، رباه، علمه حب الحياة، إلا أن الأخير كان يدخر كراهية تبحث عمن ينزع فتيلها، ذهب مع متطرفين، ليبحث عن ذاته الضائعة بين أب مهمل، ومغن ليس بأبيه ، وإن ادعى، وحاول، لم يكن بديل الخلافة سائغا لفنان، ولم يكن الرقص مع "مانويلا" (ليلى علوي) كافيا ليحترم نفسه، ذهب ولم يعد إلا بدماء "مروان"، كيف سامحه هذا الأخير وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة؟، كيف اختار أن يموت بين يديه، وتمنى أن تكون الطعنة منه لا من غيره، لتكون الميتة أحلى؟! لماذا لم ير فيه هذا المجرم الذي يبدو؟، لماذا رأى طفلا بريئا يبحث عن دور ومعنى؟ لماذا لم يتعجل الحكم عليه كما يفعل غيره وهو المغني لا الفيلسوف؟ لماذا راهن عليه، وقد كان السهم الذي قتل به؟ وكيف كسب رهان الأرض وهو على أبواب السماء؟ كيف ينتصر الحب في قلب رجل قتلته الكراهية؟ ولماذا لم يبادل كارهيه بمثلها؟ لو فعل لكان حقه، لكنه اختار مصيرا آخر، ودفع ثمنه راضيا !!

لماذا يحاول تلميذ الفقيه المالكي الفرنسي "يوسف" (فارس رحومة) أن يعود لبلاده بكتب عمه ابن رشد، لماذا يريد الخير لقومه وهم الذين وافقوا على حرق أبيه، وهللوا له، وأيدوا وبايعوا، وفوضوا القاتل، في "مصيرهم"، شهدوا حرق الأب الذي ما أراد لهم إلا الخير، تأثر بكتب ابن رشد، وحاول أن يواجه مجتمعه، صدمهم، ماذا لو مهد لهم، صبر عليهم؟، أيهم أخطأ في حق الآخر؟، صاحب الفكرة أم الناس؟ لا معنى للسؤال أمام جثة تحترق وجماهير تهلل، ومع ذلك يحاول الابن أن يكمل ما بدأه الأب المحترق، يحاول دون كلل، يواجه خطر السفر، الملاحقة، الموت غرقا، وهو يحمل كتب الفيلسوف المسلم إلى ناسه، الفرنسيين، تذكر: الذين أحرقوا أباه، وتسببوا في موت أمه كمدا، وتسببوا في هربه واغترابه، كيف يملك هذا الشاب الصغير، كل هذا التسامح .. كل هذا الوعي؟

والفيلسوف، الفقيه، المالكي، الأندلسي، هو الآخر، لماذا تسامح مع شاب متطرف، ولم يتسامح مع سياسي، مثل الشيخ رياض؟ لماذا حاول مع مروان، و"الناصر" (خالد النبوي) و"سعد" (أمير العاصمي) والقاتل(محمد رجب)، ولم يحاول مع الشيخ رياض، وأتباعه، كيف رآهم، وفهمهم، كيف ميز خصمه الذي يبدو الصديق، من صديقه الذي يبدو الخصم؟!!

هنا يحاول "شاهين، ومعه "نور" أن يطرحا السؤال الحقيقي، أحرقوا كتب ابن رشد لكنها وصلت إلينا، حملتها أجنحة الأفكار، ثمة أفكار عظيمة لم يحرقها أحد، ومع ذلك لم تصل، ولم تمتلك يوما أجنحة، قدرة المفكر على التحليق، تكمن في قدرته على أن يرى بعين طائر، من فوق، يتعالى عن الصغائر، والتفاصيل الضيقة، ليرى حقيقة المشهد، ربما نحتاج أن نرى "المصير" مرة أخرى، ربما يحمل سؤاله إجابة عن سؤالنا، سؤال يناير/ماسبير/محمد محمود/فيرمونت/الاتحادية/الانقلاب/رابعة .. لماذا لم نصل؟ لماذا لم تمتلك الأفكار أجنحة لتحلق، من كان يدخر الكراهية لمن، ومن نزع فتيلها لتنفجر في وجوه الجميع، فيما يرقبنا هو من وراء دخان سيجارته، ويستمتع بوحشية المشهد؟ رحمة الله على نور الشريف.

للتواصل مع الكاتب عبر موقع فيس بوك:
https://www.facebook.com/mohamed.t.radwan
التعليقات (1)
محمد احمد
الأربعاء، 12-08-2015 09:25 م
مقالاتك هي الاعظم استاذي وثقافتك بلا حدود