رغم أنهما في البلد نفسه ولا يفصل بينهما إلا 500 كيلو متر، فإن الموقف من أزمتيهما، وردود الفعل العربية والدولية إزاء حصارهما كان مختلفا تماما، ولم يقف العالم - والغرب خصوصا - إلى جانب
الزبداني السورية على الحدود اللبنانية، كما وقف إلى جانب عين العرب
كوباني على الحدود التركية.
ولعل كلمة السر في قضية الزبداني وكوباني هي "تنظيم الدولة"، فحين يكون الخصم في كوباني هو "التنظيم"، فإن العالم يقف صفا واحدا لحماية السكان الأكراد هناك، وحين يكون جيش نظام الأسد ومليشيات
حزب الله هي الخصم في الزبداني، فلا تكاد تجد من ينصر سكان المدينة، إلا بعض فصائل الثوار.
وتنوع الدعم في عين العرب كوباني، بدءا من الدعم الرسمي عبر دخول البيشمركة من كردستان العراق لمواجهة تنظيم الدولة، مرورا بالدعم من خلال التحالف الدولي لمواجهة التنظيم، وانتهاء بالدعم من قبل المليشيات الأجنبية التي تنوعت جنسيات مقاتليها بين البريطانية والأمريكية، وبعض الجنود السابقين.
في تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي كشفت صحيفة "ديلي تلغراف" البريطانية عن مشاركة القوات البريطانية الخاصة المعروفة باسم "أس إي أس" والقوات الأمريكية الخاصة في العمليات العسكرية التي تخوضها قوات البيشمركة الكردية.
وقالت الصحيفة إن مباحثات تدور من أجل تخصيص قاعدة عسكرية خاصة لهم قرب مدينة دهوك. ونقل مراسل الصحيفة في شمال العراق ريتشارد سبنسر عن مسؤول عسكري كردي قوله إن القوات الخاصة الأمريكية والبريطانية تعملان على الخطوط الأمامية مع المقاتلين الأكراد، كجزء من عملية عسكرية واسعة، تهدف إلى صد تقدم تنظيم الدولة، وإجبار قواته على التقهقر للوراء، وتخفيف الضغط على بلدة عين العرب (كوباني).
وسمحت تركيا في الشهر ذاته لقوات "البشمركة" الكردية العراقية بالمرور من أراضيها للوصول إلى مدينة عين العرب (كوباني)، وذلك كرد سريع على قيام الولايات المتحدة الأمريكية بعملية إنزال جوي لـ27 حاوية محملة بالمعدات العسكرية والمساعدات في مدينة كوباني، وذلك لمنع سقوط المدينة السورية بأيدي مقاتلي "تنظيم الدولة".
وبعد مرور البشمركة إلى كوباني، فقد كثف التحالف الدولي لمواجهة تنظيم الدولة ضرباته الجوية. ففي نهاية تشرين الأول/ أكتوبر 2014، قصفت طائرات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية أهدافا لتنظيم الدولة، في مدينة عين العرب (كوباني).
القصف استمر طوال يوم 25 تشرين الأول/ أكتوبر إلى جانب طلعات استكشافية فوق سماء المنطقة، ومواقع للتنظيم بالقرب من معبر "مرشد بينار" الحدودي بين
سوريا وتركيا في عين العرب.
من ناحية سياسية، اعتبر التحالف الدولي "كوباني" خطا أحمر، حيث صرح المنسّق الأمريكي للتحالف الدولي الجنرال المتقاعد جون ألن، بأن دخول التنظيم لمدينة عين العرب عمل انتحاري، وأنهم لن يتمكّنوا من السيطرة عليها.
ووصفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية العلاقة بين الولايات المتحدة والمقاتلين الأكراد في كوباني بـ"الحميمة" وكانت قد بدأت خلال "معركة كوباني"، وتطورت ليصبح الأكراد السوريون حليفا مهما للولايات المتحدة.
وعلى صعيد المليشيات، قالت صحيفة "أوبزيرفر" البريطانية إن جنودا بريطانيين يشاركون في القتال كـ"مرتزقة" ضد تنظيم الدولة في سوريا.
وأوضحت الصحيفة في تقرير نشرته في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، أن جيمس هيوغيس، الجندي السابق في سلاح المشاة في الجيش البريطاني، والذي خدم في أفغانستان لمدة خمس سنوات، قبل أن يترك الخدمة العسكرية، هو واحد من بين عدد متزايد من البريطانيين الذين يقاتلون كـ"مرتزقة" ضمن وحدات حماية الشعب الكردي في سوريا، في مدينة عين العرب (كوباني).
إعلاميا، فقد حظيت "كوباني" بتغطية إعلامية عالمية وعربية هائلة، فيما تفتقر الزبداني إلى أي وسيلة إعلامية عالمية تتحدث عن مأساتها، والحصار الخانق الذي تفرضه عليها قوات الأسد ومليشيات حزب الله.
ولم تختلف جرائم نظام الأسد ومليشيات حزب الله في الزبداني عن تلك التي نفذها تنظيم الدولة في عين العرب (كوباني)، فدشن النشطاء والمعارضون السوريون "هاشتاغا" بعنوان "الزبداني سربنتيسا جديدة"، وذلك بعد مجازر نفذها نظام الأسد ومليشيات حزب الله اللبناني بحق أهالي الزبداني.
وبغية إجراء تطهير عرقي في المدينة، طالب الطرف
الإيراني في مفاوضات وقف إطلاق النار في الزبداني بإخلاء الزبداني من المدنيين، في ما وصفته حركة "أحرار الشام" المشاركة في المفاوضات بـ"تفريغ محيط دمشق وريفها من الوجود السني".
المفاوضات جرت على أشلاء مئات القتلى، وتشريد أكثر من ألف عائلة نزحت إلى القرى المجاورة، وتدمير ثلث المدينة على أيدي قوات الأسد ومليشيات حزب الله اللبناني.
وكان مما زاد في معاناة أهالي الزبداني، انهيار المفاوضات التي كان أبرز بنودها إطلاق سراح 40 ألف معتقل في سجون النظام، على أن يشمل الرقم جميع المعتقلات البالغ عددهن قرابة الـسبعة آلاف معتقلة. وقد شاركت فيه أطراف إيرانية ممثلة بوفود رسمية، وأخرى من حزب الله اللبناني.
ويرجع انهيار المفاوضات، الذي يؤذن ببداية معاناة جديدة لا يرى الغرب مصلحة في رفعها عن أهل الزبداني، إلى الإصرار الإيراني على تفريغ البلدة من أهلها، ما يهيئ لعودة العمل العسكري إلى البلدة في أي وقت.