أليس من العجيب في الذكري الثانية لمذبحة رابعة، وبعد مرور أكثر من أربع سنوات على ثورة يناير قدم فيها
الإخوان ما قدموا من التضحيات الغالية، من الدماء و الأرواح لكي تنجح هذه
الثورة، أن تنشر عدد من وسائل الإعلام مقالات ودراسات تتحدث عن أن الثورة ليست من أدبيات الإخوان، مستشهدا بذلك ببعض الكلمات للإمام
البنا رحمه الله، كان يعبر فيها عن مواقف متناسبة مع الظرف الذي كانت تمر به الدعوة في ذلك الوقت، ولم يكن مقصودا بالطبع أن تكون صالحة لكل زمان وتحت أي ظرف، ولا يجب انتزاعها من مجمل سياق تطور حركة الإخوان.
وكما قال الأستاذ فريد عبد الخالق: " يجب عدم الخلط بين مبررات النشأة و مبررات الاستمرار"، بمعنى أننا أحوج ما نكون إلى من يقدر جهد الإمام البنا ويبني عليه، أكثر من أن نقدسه ونتوقف حرفيا عنده دون التفرقة ما بين ما هو إجرائي وما هو مرحلي، وما هو استراتيجي وما هو غاية عليا، فلكل مرحلة متطلباتها ورجالها.
غير أن من يروج لهذا الكلام، يتناسى أن الجماعة بالفعل قد حسمت قرارها بالاندماج في الحالة الثورية، وحركت الجسم الإخواني في ذلك الاتجاه منذ أكثر من أربعة أعوام. وكان من الممكن لو أرادت أن تنسحب من المشهد الثوري وترفع الغطاء التنظيمي عن أفرادها. فإذا كان من الطبيعي أن يوجد داخل مؤسسة كبيرة مثل الإخوان من لا يستوعب هذا التغيير وهذا الخيار، إلا أنه من الواضح أن القواعد قد حسموا خيارهم، وأنهم بالفعل طوال الأعوام الماضية يقدمون الغالي والرخيص في شوارع وميادين وقرى
مصر، وأنه من الحكمة أن تدرك القيادة هذه المتغيرات، وأن توفي بطموحات وتطلعات قواعدها، وأن تدرك أنه ليس من السنن الكونية أن ينتصر الخير بمجرد أن يستقيظ الخيرون، بل من السنن أن يحدث تدافع بين الحق وخصومه، حيث أن الزمان لا يعترف باحتكار المراكز، وسرعان ما يستدعي الأقوى، آخذين في الاعتبار أن استراتيجية اختيار البديل الأقل تكلفة تخرج دائما بأقل المكاسب.
فإذا كان الإخوان بفضل الله تعالى بمشروعهم الإسلامي الوسطي الشامل، وعلى الرغم من الحصار والتشويه والقمع، استطاعوا أن يعبروا مع الأمة على مدار ما يقرب من قرن، بمرحلة من أخطر المراحل سقطت فيها الخلافة الإسلامية وسيطر عليها المستعمر، ومن ثم تعرضت للتقسيم والتشرذم، فقد حافظوا خلالها على صحيح دينها، وعملوا مع القوى الوطنية المخلصة على التمسك بهويتها، إلا أنهم الآن أمام تحد كبير لن تستطيع الجماعة تجاوزه والاستمرار في عطائها، إلا إذا أدركت بعمق المهمة الجديدة، ومتطلبات التغيير الحقيقي والجذري الذي تقتضيه هذه المرحلة، وتحركوا من خلال رؤية واضحة تلبي هذه المتغيرات، وخطة محكمة تفي بهذه المتطلبات.
حول هذه الرؤية سوف نتحدث في المقال القادم إن شاء الله
* رئيس مكتب الإخوان المصريين في الخارج