نشرت صحيفة ليبراسيون الفرنسية، تقريرا حول لقاء سريع جمعها برئيس الوزراء الليبي السابق،
البغدادي المحمودي، في
سجنه بطرابلس، حاولت خلاله الاطلاع على ظروف احتجازه، والحصول على تعليقات منه على بعض التساؤلات المطروحة حول أسرار فترة حكم
القذافي.
وقال الصحفي ماتيو غالتيي، في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إنه قابل البغدادي المحمودي في مكتب مدير سجن الهضبة العسكري في طرابلس، حيث وجد آخر رئيس وزراء قبل
الثورة الليبية جالسا بهدوء على أريكة خضراء.
هذا الرجل الذي أنهى عقده السابع، بدا هزيلا، وكان حليق الرأس والوجه، بعد أن أنهكه مرض السرطان، وكان مرتديا "بدلة" السجناء الزرقاء.
وتعليقا على الحكم الصادر في حقه في 28 تموز/يوليو الماضي، بالإعدام رميا بالرصاص، مع ثمانية من أبرز مسؤولي النظام السابق؛ قال المحمودي بكلمات عربية وإنجليزية مختلطة: "لا أشعر بأني مذنب، أنا لست عسكريا، أنا طبقت قوانين ذلك العهد".
وذكرت الصحيفة أن عهد القذافي؛ شهد تسلّق طبيب النساء والتوليد البغدادي المحمودي لسلم السلطة، وهو الذي أعلن بعيد اندلاع الثورة الليبية أن "
ليبيا لها الحق في اتخاذ كل الإجراءات اللازمة للحفاظ على وحدتها".
وبالنسبة للقضاة الذين حكموا عليه بالإدانة؛ يبدو أن هذه الإجراءات التي توعد بها المحمودي شملت "التحريض على القتل والاغتصاب، وتهديد وحدة الوطن".
ونقلت الصحيفة عن المحمودي تأكيده أن "ظروف احتجازه طيبة جدا، حيث يحظى بمعاملة جيدة، ويسمح له بمقابلة عائلته ومحاميه، ويمكنه قراءة الجرائد، وهو يستيقظ كل يوم باكرا لأداء الصلاة، والقراءة، وممارسة المشي والحديث مع بقية السجناء".
وأكد مراسل الصحيفة أن المحمودي لم تبدُ عليه أي آثار للتعذيب أو تعرض للعنف. ولكن محاميه التونسي مهدي بوعواجة، قال إنه خلال جلسة له في 20 آذار/مارس الماضي؛ كان قد وقف من كرسيه داخل قفص الاتهام، واشتكى من التعرض للتعذيب قائلا: "لقد حاولوا تسميمي بأغذية ملوثة، وأجبروني على استنشاق الغاز".
ونقلت الصحيفة عن أحد أعضاء عائلة المحمودي قوله: "إن الزيارات يتم تحديدها حسب رغبة السجانين، حيث يتم الاتصال بنا بشكل غير دوري للقدوم ورؤيته".
وذكرت "ليبراسيون" أن هناك اتهامات لإدارة سجن الهضبة بالارتباط بمجموعات متشددة، حيث إن مدير السجن خالد الشريف كان عضوا سابقا في الجماعة الإسلامية المقاتلة بليبيا، التي تدرب أعضاؤها في أفغانستان برفقة أسامة بن لادن. ورغم أن الشريف تخلى عن العمل المسلح منذ زمن، إلا أنه وصف الملا عمر بأنه "بطل" عقب انتشار خبر موته مؤخرا.
وفي ظل هذه الظروف؛ اعتبرت الصحيفة أنه "من الطبيعي أن يعاني المحمودي من حالة اكتئاب ومن مشاكل نفسية، كما يؤكد ذلك الطبيب الذي قام بزيارته"، واصفة إياه بأنه "رجل ذكي، عرف كيف يتموقع داخل النظام السابق، ويضمن لنفسه مكانة حتى وسط أبناء القذافي".
وقد أظهر المحمودي هذا الدهاء، حين تساءل أمام صحفي "ليبراسيون" عن سر غياب المحامين التونسيين عن آخر جلسة حضرها، ما اعتبرته الصحيفة تساؤلا غير بريء، لأنه يعلم جيدا أن غياب المحامين قد يسبب أزمة دبلوماسية حادة بين تونس وليبيا، إذ إن السلطات التونسية كانت قد حصلت على تعهدات صارمة من السلطات الليبية قبل تسليم المحمودي لها؛ تقضي بضمان ظروف
محاكمة عادلة، وتمكين المتهم من حضور محامين أجانب للدفاع عنه.
وذكرت الصحيفة أنها حاولت الحصول على معلومات حول ملف تمويل القذافي للرئيس الفرنسي السابق نيكولا
ساركوزي في عام 2007، خاصة وأن المحمودي كان قد أعلن في 2011 أمام محكمة تونسية؛ أن ساركوزي حصل على تمويلات من القذافي، رغم نفي الرئيس الفرنسي السابق لهذه التهمة بشدة.
ورغم أن هذا السؤال يدخل ضمن الأشياء التي تم التنبيه على الصحفي الفرنسي بعدم التطرق إليها؛ فقد سمح له مدير السجن بطرحه، ولكن المحمودي اكتفى بالقول: "ليس الوقت مناسبا للحديث في هذا الموضوع، ولكنني أستعد لنشر كتاب أروي فيه كل هذه الأشياء إذا سمح لي الوقت".
وأمام إصرار الصحفي على طرح سؤال: "هل أخذ ساركوزي المال؟"؛ أجاب المحمودي بكلمة واحدة: "نعم"، ثم شرع في استعراض علاقاته مع فرنسا، وتحدث عن علاقته القوية مع وزير الداخلية السابق كلود غيان، وسيسيليا ساركوزي الزوجة السابقة للرئيس، التي شاركت في عام 2007 في جهود تحرير الممرضات البلغاريات السجينات في طرابلس، وقال ضاحكا إنها "تعرف ليبيا أكثر من زوجها".