نشر موقع "ميدل إيست أي" البريطاني مقالا للكاتب صلاح خاشقجي حول مستقبل
الاقتصاد السعودي بعد
الأزمة الاقتصادية التي شهدتها
الصين مؤخرا، والإجراءات الإصلاحية التي يجب أن تتخذها المملكة لتفادي انهيار اقتصادها، الذي يعتمد بشكل أساسي على مبيعات
النفط.
وقال الكاتب في هذا المقال الذي ترجمته "
عربي21"، إن الصين التي تمتلك أكبر اقتصاد في العالم، تعاني منذ مدة من انخفاض في الصادرات يرافقه انخفاض في نسبة النمو الاقتصادي. مشيرا إلى أن هذا الانخفاض ترافق مع استعار المنافسة بين النفط الصخري المنخفض التكلفة والنفط العادي، وكان ذلك من الأسباب الرئيسية التي أدت لانهيار أسعار النفط منذ بداية سنة 2015.
وأضاف الكاتب أنه رغم هذه العوامل إلا أن أسهم البورصات العالمية حافظت على استقرارها، إذ يبدو أن الجميع استهان بتأثير انخفاض أسعار النفط على الاقتصاد السعودي، ثاني أكبر منتج للنفط في العالم. لكن ذلك تغير بعد الانهيار الذي شهدته أسهم البورصة الصينية، حيث تهاوى المؤشر العام للسوق المالية
السعودية بأكثر من 30 بالمائة في أسبوعين، ورغم أن هذا المؤشر يشهد تراجعا منذ أواسط السنة الماضية بسبب انخفاض أسعار النفط، إلا أن الانخفاض الأخير يعتبر الأكثر تهديدا.
وبحسب المقال، تعلم السعودية الآن أن مشاكلها مع النفط الصخري ستتواصل لمدة أطول، وأن الأمر لم يعد متعلقا بانخفاض تكلفة الإنتاج، بل بقدرة المنتجين على تحمل انخفاض الأسعار لأطول فترة ممكنة. ولا يبدو بأن المملكة قادرة على تحمل ذلك طويلا، حيث أعلن البنك المركزي السعودي عن تراجع الاحتياطي المالي الوطني بحوالي 60 مليار دولار، خلال الأشهر الستة الأولى من هذه السنة.
وقالت الصحيفة إن المشكلة تكمن أساسا في إنتاج السعودية للنفط بأعلى طاقة إنتاجية لديها، التي تبلغ 11 مليون برميل يوميا، وهو ما يحد من قدرتها على التحكم في أسعار النفط عالميا. وبما أن عائدات النفط تمثل 90 بالمائة من عائدات المملكة، فمن المتوقع تواصل انخفاض الاحتياطي المالي الوطني السعودي بسبب توظيفه في تمويل ودعم الاقتصاد الداخلي.
واعتبر المقال أن الحكومة السعودية لا تستطيع إيقاف الدعم الداخلي بما أن أي انخفاض في إنفاق الحكومة سينجر عنه تباطئ كامل الاقتصاد السعودي، وقد يؤدي ذلك إلى حلقة مفرغة من الانكماش بما أنه اقتصاد يعتمد بشكل أساسي على النفط.
وقال الكاتب إن المملكة تقوم حاليا بتعويض نفقاتها المرتفعة من خلال الدين العام، والذي تبلغ قيمته 1,6 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي السعودي، وقد قامت المملكة بإضافة 5 مليارات دولار للدين العام، وتخطط لإضافة 20 مليار دولار أخرى عبر إصدار سندات سيادية، غير أن ذلك سيساهم في مزيد تدهور احتياطي المملكة من العملة الصعبة.
وخلص المقال إلى أن كل هذه العوامل توحي بمستقبل مظلم للاقتصاد السعودي، لكن مازال هناك أمل لتفادي ذلك إذا ما تم اتخاذ إجراءات إصلاحية صارمة. حيث تقوم السعودية بتصدير ثلثي إنتاجها النفطي فقط، وتقوم باستهلاك الثلث المتبقي الذي يبلغ 3 ملايين برميل يوميا.
وهي نسبة مثيرة للقلق، بحسب المقال، إذ تماثل نسبة الاستهلاك الألماني، غير أن الناتج المحلي الإجمالي لألمانيا يبلغ خمسة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي للسعودية، هذا إضافة إلى ارتفاع الاستهلاك الداخلي للنفط بنسبة 6 بالمائة سنويا، يشجعه انخفاض أسعار الوقود المدعمة بشكل سخي في المملكة.
وقالت الصحيفة إن الحكومة السعودية قد ناقشت إلغاء الدعم عن الوقود، وقالت بأن إلغاء الدعم يجب أن يسبقه بناء نظام نقل عام شامل، ومن الأسباب الأخرى لارتفاع الاستهلاك الداخلي للنفط، الكلفة المرتفعة لتحلية المياه وإنتاج الكهرباء، والذي يتم في المملكة بواسطة الوقود الأحفوري عوض الغاز الطبيعي، بسبب كمياته المحدودة. وبما أن المملكة تعتبر من أسخن مناطق العالم، فإن 60 بالمائة من إنتاج الطاقة الكهربائية يتم استهلاكه في تكييف الهواء.
وذكرت الصحيفة أن مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة، تعمل على تطوير إستراتيجية جديدة لإنتاج الطاقة في المملكة. وقد تم تأسيسها منذ خمس سنوات، ولم تدخل مرحلة الإنتاج بعد، ولكن انخفاض أسعار النفط قد يعجل من دخولها في مرحلة الإنتاج. وإذا تم إجراء إصلاحات في برنامج الدعم واستهلاك الطاقة، فسيؤدي ذلك إلى ارتفاع صادرات النفط وارتفاع ميزانية الحكومة.
وفي إطار سعي المملكة لتوسيع مصادر دخلها، قامت شركة أرامكو النفطية الحكومية بالتوسيع من أنشطة التنقيب عن النفط وإنتاجه، وبذل المزيد من المجهودات لزيادة طاقة التكرير لتحسين هوامش الربح.
هذا إضافة إلى مناقشة اقتراحات بتكليف الشركة بإدارة الصناعات البتروكيميائية في المملكة، وهو ما سيفتح المجال لتأمين استخدام أكثر فعالية للموارد المحدودة من الغاز الطبيعي.
وقالت الصحيفة إنه إضافة إلى الإصلاحات الكبيرة التي يمكن إجراءها في مجالات النفط والغاز وإنتاج الطاقة، توجد كذلك إصلاحات اقتصادية بدأ إجراءها بالفعل، حيث يقوم مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية السعودي بمناقشة فرض ضريبة عقارية على الأراضي غير المستعملة. هذه الضريبة ستقوم بتوفير عائدات تبلغ 50 مليار دولار، إضافة إلى مساهمتها في حل بعض المشاكل الاجتماعية التي تواجهها السعودية، مثل إرتفاع أسعار العقارات وارتفاع تكاليف المعيشة.