كتب محمد عايش: من يراقب التحولات المتسارعة في
مصر خلال الأيام القليلة الماضية، يدرك أن البلاد والعباد هناك في خطر، وأن المشكلة الأساس التي تعيشها مصر منذ عامين هي أن الأولوية لدى الأجهزة الأمنية والعسكرية، أصبحت في الحفاظ على كرسي السيسي، وليس الحفاظ على البلد. أصبح بقاء السيسي في الحكم أهم من بقاء مصر على قيد الحياة بالنسبة للكثيرين!
وخلال الأيام القليلة الماضية شهدت جماعة
الإخوان المسلمين (أكبر القوى السياسية) حراكا غير مسبوق، وتحولات لم يكن أحد يتوقعها، فثمة خلافات تتعمق يومياً وتنتقل تدريجياً إلى وسائل الإعلام، وثمة قطاع عريض في الجماعة أصبح يدعو علانية إلى الثأر والانتقام، أي إلى الجنوح نحو العنف، وإسقاط شعار (سلميتنا أقوى من رصاصهم)، على اعتبار أن السلمية لم تحقق شيئاً طوال العامين الماضيين، بل يتم التعامل أصلاً مع الإخوان على أنهم "منظمة إرهابية تتبنى العنف".
يريد نظام السيسي أن يدفع الإخوان دفعاً نحو العنف والارهاب، مستخدماً استراتيجية بشار الأسد نفسها في سوريا، عندما تعسكرت الثورة فأصبحت برداً وسلاماً على صدره، وأصبح يسوق نفسه على أنه جيش نظامي يحارب متمردين مسلحين، وهي المعادلة التي يتمنى السيسي أن يكررها في مصر، وهي أن يكون على رأس جيش وطني يحارب الارهاب في بلاده، وليس انقلابيا دمويا يحارب المدنيين الأبرياء ويسحب جثثهم بالجرافات، ويضرب صناديق الاقتراع عرض الحائط.
ثمة قنبلة تتشكل اليوم في مصر، ويمكن أن تنفجر في أي لحظة، وهي قنبلة الخارجين من عباءة الإخوان، الراغبين بالانتقام لضحايا رابعة والنهضة، والراغبين بتقديم المساعدة لأكثر من 42 ألف معتقل يقبعون في السجون ويواجهون الموت البطيء، أو القتل بدم بارد.
خلال الأيام والأسابيع الماضية كانت تلك "القنبلة" تتشكل على النحو التالي:
أولاً: نشرت جريدة "لوموند" الفرنسية قصة فتاة هي ابنة أحد قادة الإخوان، الفتاة بدأت التحول مع السياسة في عام 2012 عندما أصبح والدها أحد المقربين من رئيس الجمهورية، بعدها بعام واحد وجدت أن والدها تحول من صديق الرئيس، إلى معتقل ممنوع من العلاج والطعام، وممنوع إدخال "حلة الطبيخ" إليه في زنزانته. انتظرت الفتاة عامين وهي ترفع شعار (سلميتنا أقوى من رصاصهم)، لكنها انضمت أخيراً إلى "داعش" في سيناء، بعد أن اكتشفت أن أصحاب الشعار إياه يموتون تدريجياً في سجون السيسي.
ثانياً: نشرت جريدة "الشروق" المصرية يوم الثلاثاء 25 آب/ أغسطس 2015 خبراً مفاده أن سبع مجموعات إخوانية، غادرت الجماعة، وفكت بيعتها للمرشد صاحب شعار (سلميتنا أقوى من رصاصهم)، وبايعت تنظيم "داعش".. تقول الجريدة إن المجموعات السبع هربت من خلافات الإخوان وانضمت لـ"داعش" للبدء بالانتقام.. ولا يوجد ما يدفع إلى الاعتقاد بأن الخبر غير صحيح، بل هو صحيح، وربما الذين انضموا للتنظيم الإرهابي أكثر من سبع مجموعات إخوانية.
ثالثاً: الأهم من تلك الأحداث المقال الذي نشره القيادي الإخواني وفقيه الشباب لدى جماعة الإخوان الدكتور جمال عبد الستار في موقع "عربي21"، وهو المقال الذي أعلن فيه أن "القاتل والمغتصب والمتعدي على أموال الناس وأعراضهم لا حرمة له ولا عصمة، وأن جمهور العلماء أجمع على أنه لا يجوز للمسلم أن يُسْلم نفسه للقتل من دون مدافعة، وأنه لا يجوز الخلط بين المنهج السلمي في نشر الدعوة، وبين واجب الدفاع عن النفس"!
رابعاً: يعلم القاصي والداني أن جماعة الإخوان في مصر تشهد جدلا ساخنا، وخلافات حادة، انتقلت إلى وسائل الاعلام مؤخراً، ووصلت أصداؤها إلى المعتقلين في السجون، وموضوع الجدل هو "المنهج الثوري والسلمية"، فيما تكاد الأصوات الداعية إلى "السلمية" تختفي أمام طوفان الداعين لــ"الانتقام والثأر لدماء الشهداء".
قلنا سابقا ولا زلنا نقول، إن تقديرات جهاز أمن الدولة المصري تشير إلى وجود نحو مليون عنصر ينتمون لجماعة الإخوان، وعلى افتراض أن 10% من هؤلاء فقط جنحوا نحو العنف والإرهاب، وغلبت عليهم شهوة الانتقام، فهذا يعني أن مصر أمام كارثة لا يمكن لأحد أن يتوقع عواقبها – لا قدر الله.
فكرة الاقصاء الكامل لأي تيار غير ممكنة، لأن السياسة تختلف عن لعبة القمار، إذ لا يمكن في عالم
السياسة أن تكسب كل شيء، لأن من المستحيل أن تخسر كل شيء، والإخوان الذين حكموا مصر لمدة عام كامل، لا يمكن أن يتم نفيهم بشكل كامل، وإبعادهم عن مصر وعن السياسة وكأنهم أثر بعد عين، ولا يوجد عاقل في الكون يمكن أن يقتنع بمعادلة كهذه.
مصر تحتاج اليوم إلى خطة إنقاذ قبل أن تتحول الأزمة السياسية إلى أزمة أمنية وعسكرية، وأزمة إرهاب يمكن أن تستمر لعقود وليس سنوات. وخطة الانقاذ المطلوبة بحاجة لعقلاء يُغلبون مصلحة مصر على مصالح السيسي، ويدركون وجوب التوصل إلى مصالحة سياسية ترضي كافة الأطراف، وتحفظ لكل منهم شيئاً من المكاسب، وتقوم على الاعتراف بحق كل المصريين في الوجود، وليس فقط حق من يؤيدون السيسي.
المطلوب تحرك داخلي وعربي وإقليمي ودولي ينقذ
شباب الإخوان من الجنوح نحو العنف، وينقذ مصر من "قنبلة الإخوان الموقوتة"، وهي القنبلة التي سيعني انفجارها أننا أمام موجة جديدة من العنف في المنطقة بأكملها، وليس في مصر وحدها.
(عن القدس العربي- 31 آب/ أغسطس 2015)