نشرت صحيفة ميديابار الفرنسية تقريرا حول ما تشهده الساحة
التونسية من عودة للتسلط
الأمني الذي وصل إلى حد ممارسة القمع والتعذيب، نقلت فيه شهادات النشطاء والحقوقيين الذين اعتبروا هذه المظاهر إيذانا بعودة ممارسات النظام السابق، بذريعة "مقاومة
الإرهاب".
وأفاد الموقع في هذا التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن وزارتي العدل والداخلية التونسية قد واجهتا موجة من العمليات الإرهابية، لم تقابل بالإصلاحات اللازمة، ما أقحم البلد في دوامة خطيرة، منذ بداية السنة الحالية.
وفي هذا السياق، نقلت عن المستشار والمحلل السياسي التونسي سليم خراط، أن "تونس تشهد تحولا سياسيا خطرا، منذ أحداث باردو في 18 من آذار/ مارس الماضي، وهو ما بدا واضحا من خلال تصريحات عديد للشخصيات السياسية، وعلى رأسها نواب حزب
نداء تونس الفائز في الانتخابات الأخيرة والذي ينتمي له رئيس الجمهورية، حيث دعوا إلى تغيير جذري في الإستراتيجية الأمنية، مؤكدين على أنه لا مكان لحقوق الإنسان في مواجهة "الإرهاب".
وأضاف خراط بأن "هذا الخطاب الذي لا يحترم
حقوق الإنسان قوبل بدعم إعلامي من قبل الصحافة التي عرفت بدعمها للنظام السابق"، في إشارة لمقالات الصحيفة التونسية الناطقة بالفرنسية "لابرس".
وذكر التقرير أن العناصر الأمنية التي تتبنى استعادة ممارسات نظام زين العابدين بن علي، رفضت رفضا قاطعا ما اعتبرته تدخلا من المنظمات غير الحكومية الغربية الناشطة بتونس، إثر نشرها لعديد البيانات المحذرة من البنود "الخطرة" التي يتضمنها قانون مكافحة الإرهاب.
ولفت التقرير إلى مقال نشر في الصحافة التونسية في 28 من تموز/ يوليو الماضي، أتى على ذكر 10 نواب امتنعوا عن التصويت في الجلسة المخصصة للمصادقة على قانون مكافحة الإرهاب، مطالبا برفع الحصانة عنهم، حتى تتسنى محاكمتهم.
وبحسب الباحثة التونسية آمنة قلالي، فإن "الخطاب المبرر للتعذيب قد انتشر في صفوف المسؤولين السياسيين، حيث لوحظ ذلك من خلال تصريحات الوزير المكلف بالعلاقات مع مجلس الشعب، الذي قلل من شأن عمليات التعذيب، ما يكشف عن سعي ممنهج لتطبيع ممارسات كانت تعتبر فضيحة، إبان الثورة".
وفي السياق ذاته، نقل التقرير تحذير سليم خراط من مغبة تساهل نص قانون مكافحة الإرهاب مع مثل هذه الممارسات، في هذا الظرف الحساس الذي تمر به تونس، والذي لم تلبث أن سارعت فيه الشرطة إلى العودة لـ "ممارساتها السيئة".
واعتبر هذا المستشار والمحلل السياسي التونسي، أنه بصرف النظر عما إن كان قد تمت المصادقة على قانون تحصين قوات الأمن أم لا، فإن النبرة السائدة في أوساط الحكومة، تكشف بوضوح عن الرغبة في تمكينهم من الإفلات من العقاب.
وذكر التقرير أن قوات الأمن قد بدأت بالعودة إلى ممارساتها السابقة في تونس ما بعد الثورة، منذ مطلع سنة 2015، حيث أكدت مصادر عديدة مقربة من وزارة الخارجية، صحة الشائعات التي تفيد باعتقال أكثر من 100 ألف شخص خلال هذه السنة، إثر الهجمات التي جدت بكل من متحف باردو وشاطئ مدينة سوسة.
ونقلت "ميديابار" عن آمنة قلالي أنه "غالبا ما يحتجز هؤلاء الأفراد دون أسباب وجيهة أو سند قانوني، ودون أن يكون لهم حق اللجوء إلى محام، ثم سرعان ما يطلق سراحهم لخلو ملفهم من البراهين والإثباتات".
وأضافت الصحيفة أنه إلى جانب الممارسات المسجلة ضد قوات الأمن وعدد من القضاة، فإن السلطة التنفيذية تخضع اليوم للمساءلة، بسبب القرارات الفردية التي اتخذها رئيس الحكومة التونسي، الحبيب الصيد، بإلغاء قانون الحق في الوصول للمعلومة، قبل يومين من الجلسة المقررة للتصويت عليه في مجلس الشعب، على الرغم من خضوعه لنقاشات واسعة من قبل لجنة الحريات العامة التي قررت تبني هذا القانون.
وفي ظل تشجيع السلطة التنفيذية لممارسات مستوحاة من أساليب النظام الديكتاتوري السابق، ووسط تجاوز الأحداث لمجلس الشعب والقوى المعارضة، وبعد أن نجحت في تمرير دستور ما بعد الثورة، تساءلت الصحيفة عما إن كانت تونس تملك مؤسسات صلبة، تمكنها من مواصلة البناء الديمقراطي وعدم الخضوع، لتيار الشد نحو الوراء.
وفي السياق ذاته، لفت سليم خراط إلى ضرورة إنشاء محكمة دستورية، معتبرا أنه لا قيمة للدستور دونها، إذ أن اللائحة المؤقتة التي وضعت لمراقبة مدى تطابق القوانين مع الدستور تحمل صبغة استشارية لا غير.
وحذر سليم من خطورة "اللامبالاة الرسمية التي قوبلت بها الهبّة الإعلامية الأجنبية المحذرة من القصور الأمني التونسي؛ حيث لم يتم تقديم أية استقالة، ولا حتى القيام بأي تحوير وزاري منذ هجمات باردو".
ولفت للضعف المؤسساتي الذي تعاني منه الجمهورية التونسية، واعتبره "أمرا مثيرا للقلق، وسط غياب سلطة مضادة للقيام بالرقابة".
واعتبرت الصحيفة أنه لا وجود لقوى معارضة حقيقية، قادرة على تبليغ صوتها والتأثير على صياغة النصوص التشريعية، كما قالت الباحثة التونسية آمنة قلالي إن "التوافق الذي يجمع أعضاء الائتلاف الحكومي يسهل تمرير النصوص التي كانت محل نقاشات ساخنة".
وكان ذلك هو الحال بالنسبة لقانون مكافحة الإرهاب، الذي تم توظيفه في مطلع آب/ أغسطس الجاري، لملاحقة صحفي ومدون تونسيين، واستغلاله لتقييد حرية التعبير.