ناقش الصحفي روبرت فيسك مسألة المهاجرين في
أوروبا، والفجوة المتزايدة بين الشعوب الأوروبية والقادة الذين تخلوا عن أخلاقهم ومبادئهم في بلادهم.
وكتب فيسك في صحيفة "إندبندنت" البريطانية، معلقا على غرق الطفل السوري إيلان الكردي، موجها نقده تحديدا لسياسة رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، الذي رفض استقبال اللاجئين السوريين، وتمسك بفكرة مساعدتهم حيث وجدوا، ولكن ليس في بريطانيا.
ويقول الكاتب إن الطفل إيلان الكردي الصغير كان "جزءا من (السرب) الذي ضرب ديفيد كاميرون، ولم يكن من السهل على رجل العلاقات العامة كاميرون التخلص منه؛ لأن إيلان لم يكن وجهه بنيا أو أسود ومحمرا مثل وجوه الديكتاتوريين، ولكنه بدا طفلا صغيرا. كان يمكن أن يكون اسمه ألن أو جون أو ديفيد رماه البحر قرب هيستينغ أو بيكسهل، وعندها ستتخيل المطالب العامة بالتحقيق في أسباب وفاته من أهل إيسكس، حيث تقع المدينتان. ولكن رجل العلاقات العامة ديف (ديفيد كاميرون) أخبرنا أن بريطانيا لا يمكنها استقبال لاجئين سوريين".
ويعلق فيسك في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن هناك إمكانية للإصابة بسرطان صحيفة "ديلي ميل" المعادية للمهاجرين، عندما يحاول الشخص فهم الأسباب التي تجعل المهاجرين يتدفقون على أبواب العالم المسيحي ودول أوروبا، التي تعد مصدر الشر في الشرق الأوسط، ويقول: "فنحن من نقصف ونفسد ونغزو مسلمي الشرق الأوسط، ونحن من نقوم بدعم الديكتاتوريين الأشرار في الشرق الأوسط (طالما ظلوا مطيعين لأمنياتنا)، ونحن من نمتص ثروات الشرق الأوسط، نفطه وغازه الطبيعي، فنحن الكفار، أليس كذلك؟"
ويضيف الكاتب أن "اللاجئين السوريين أقاموا في المخيمات البائسة على حواف المدن في لبنان وتركيا والأردن، لكن الآلاف من الفقراء والحشود التي تأمل بالهرب من عذاباتهم، لا يبحرون بالقوارب التي يتسرب منها الماء إلى المكان الذي يتوقع أن يبحروا له إلى أرض الأمة، إلى قلب الإسلام النابض، إلى الأرض التي عاش فيها النبي وتلقى الوحي".
ويتابع فيسك: "لا، ففقراء الشرق الأوسط لا يتوجهون إلى السعودية، وهي المملكة الثرية في
الخليج طلبا للمساعدة من بناة الحرم العظيم، وسدنة الأماكن المقدسة".
ويشير الكاتب إلى أن "المهاجرين لا يقتحمون ميناء جدة على البحر الأحمر، ويطالبون بالملجأ والحرية في المملكة، ولا يناشدون حرس الحدود السعوديين كي يسمحوا لهم بركوب القطارات من الظهران إلى الرياض للحصول على المأمن والعزاء مع عائلاتهم، وقد يضاف إلى أن هذه العائلات السورية الهاربة من الأسد وليس من أعدائه، لا ترمي نفسها تحت أقدام (الخلافة الإسلامية) التي ترشح من أفلامها الدعائية رائحة الدم لا الرحمة".
ويرى فيسك أن "اختيار المهاجرين لأوروبا ليس لأنهم يعرفون بأننا (ضعفاء) أو لـ(استغلال كرمنا)، أشك أن أحدا منهم يعرف عن أوروبا وتاريخنا وعنا. ولا يعرفون عن كاميرون أو المعارضة، ولكن عن الألمان والإيطاليين والسويديين والفرنسيين واليونانيين وحتى الهنغاريين. وأعتقد أنهم يعرفون أن خلف الستار الساخر والمادية وابتعادنا عن الدين لا تزال فكرة الإنسانية حية في داخلنا، وقد نكون أناسا محترمين وصادقين ومتعاطفين".
ويجد الكاتب أن "آثار هذا كله مهم، فرغم جبن قادتنا من بلير والتاجر كاميرون والساذج ميليباند وحلفائنا المجانين في شرق أوروبا، لا نزال أناسا صادقين ومحترمين. ولا أتحدث هنا عن المستشارة أنجيلا ميركل، ولكن عن المتطوعين الألمان، وبعضهم دون وظيفة ويقومون بإطعام المهاجرين في برلين. وأنا أتحدث عن 20 ألف هنغاري ممن تظاهروا دعما للأجانب المكلومين، الذين وصلوا إلى حدودنا الأوروبية. وأشير إلى الرجال والنساء الفرنسيين ممن يقومون بإطعام الحشود التي تركت لتتعفن في (غابة) كاليه. وأفكر في الشباب العاملين في منظمة آطباء بلا حدود، الذين سافرت معهم إلى الحدود اليونانية المقدونية، ومن قاموا بتوزيع الطعام والماء والملابس والحنان على العائلات من حلب وإدلب ودرعا، نعم، ومن قندهار وبيشاور، فبالنسبة لهؤلاء الشباب الأوروبيين فإن هؤلاء مثلنا في الواقع (هم) (نحن)".
ويختم فيسك بالقول: "في ظل الانقسام الحالك المتزايد بين الناس في أوروبا بين الناخبين وقادتهم اللاأخلاقيين باستثناء ميركل، هناك تحد كبير وجدي للمستقبل. فماذا سيحدث عندما نكتشف أن ممثلينا لم يعودوا يمثلوننا؟ وماذا يحدث عندما نتذكر أن ديف التاجر (ديفيد كاميرون) أنزل العلم البريطاني عندما توفي العاهل السعودي. فهل يقوم وباسمنا بفعل الشرف ذاته للصغير إيلان؟".