قامت الدنيا ولم تقعد بعد على
المصورة المجرية "
بيترا لازلو" التي دفعتها عنصريتها الملتهبة وتطرفها اليميني الأعمى إلى الدمج بين عملها كمصورة صحافية، ومساندتها شرطة بلادها في صد
مهاجرين سوريين بالمئات قبل يومين، وهم يحاولون اختراق طوق أمني قرب حدود المجر مع صربيا، فركلت أحدهم حين كاد أن يفلت مع ابنه من مطاردة الشرطة وأوقعتهما أرضا.
ولو أن حملة إدانة فعلة "بيترا" والتشهير بها اقتصرت على أوروبا التي لم تعتد أدوارا مثل تلك لصحافييها، لكان الأمر أكثر من عادي، لكن الحملة الجماهيرية العربية العظمى تقدمها بعض أصحاب السوابق و"المؤبَّدَات
العنصرية" من إعلاميين عرب برتبة ضابط أو ضباط عرب بوظيفة إعلامي، وصبّت جام غضبها الانفصامي على امرأة ساعدت بحقد شرطتها المحلية على تطبيق القانون الذي يمنع عبور المهاجرين غير الشرعيين.
نتفلسف في تأكيد انحياز الإعلام الغربي وإعلاميه ضد العرب، وكأن إعلامنا مجتمع على مصالح قوميتنا، وكأننا العرب أو الأعراب لم نسمع عن إعلاميين في مصر دعوا جهارا إلى قتل متظاهرين، وطالبوا برؤية دماء مواطنيهم تملأ الساحات.
وكأننا لم نستمع إلى إعلامي هدد بطرد المسلمين من فلسطين ولبنان وسوريا والعراق؛ لأن روايته اللاهوتية التاريخية تفيد بأنهم، أي المسلمين، "جَلَب" أي دخلاء على المنطقة. وكأننا لم نقرأ لصحافي لبناني نصوصا يهدر فيها دماء زملاء له في المهنة خصوم له في السياسة.
وكأننا نجهل ما يحكى عن تصفيات جرت لإعلاميين عراقيين بتدبير من أقرانهم.
نعبّر عن قرفنا من "بيترا" وكأن "بثينة شعبان" من جبال التيبيت و"لميس الحديدي" من بيونس آيرس. تقشعر أبداننا لزحطة رجل سوري على عشب المجر الأخضر، وكل مواطنيه الأحياء داخل سوريا يحسدونه على هذه الركلة، ويتمنونها لأبنائهم بعيدا عن براميل البارود وبواريد البراميل.
ثمة شعور بأن حقيقة الغضبة العربية هو كون الراكل امرأة، وهذا يتنافى مع نواميس الشهامة العربية المعاصرة، فحتى أعتى أنظمة الاستبداد ومنظمات الإرهاب حافظت على الكرامة الذكورية، وأسندت مهام الذبح والتنكيل والتمثيل والإحراق والإغراق للرجال دون غيرهم، احتراما لتراث وأد البنات ورؤية "أبو لهب" الذي أدرك باكرا "تدني قيمة المرأة".
"بيترا لازلو" لم تنشئ مليشيا مسلحة لقتال شعبها، بل وجهت لمهاجر غير شرعي ركلة دفاعية لا يعاقب عليها القانون، فيما ركلات العسكريتاريا العربية منقوشة على ظهور فقرائنا وجباه أحرارنا ورقاب المتمردين.
طُرِدت "بيترا" من عملها؛ لأن في بلادها منظومة اجتماعية تحاسب، فيما أقلامُ أنظمتنا وأَلسِنتُها ما تزال على رؤوس أعمالها تطلق أوصاف الجنة على الجحيم، وتَشهد على موضوعية إبليس.