في الحادي والثلاثين من آب/ أغسطس الماضي، أعلن رئيس الوزراء الأردني الدكتور عبد الله
النسور إقرار حكومته لمشروع
قانون الانتخاب.
أمس الأحد الثالث عشر من أيلول/ سبتمبر، بدأ
مجلس النواب الأردني بمناقشة قانون الانتخاب ويتوقع أن لا يقره في دورته الاستثنائية الحالية.
قانون الانتخاب من القوانين المثيرة للجدل في الأردن، فباستثناء قانون الانتخاب الحالي الذي أقره البرلمان عام 2012 وجرت انتخابات عام 2013 وفقا له، فإن كل الانتخابات السابقة منذ 1989 كانت قد تمت وفق قوانين مؤقتة لم يقرها البرلمان الأردني. وباستثناء انتخابات عام 1989، فإن كل الانتخابات تمت وفق قانون أطلق عليه قانون الصوت الواحد وتعديلاته، وهو قانون مؤقت أقرته الحكومة عام 1993، وكان يهدف بشكل رئيس إلى تحجيم المعارضة، وقد نجح في ذلك.
قانون الصوت الواحد، بتعديلاته اللاحقة، لقي هجوما شرسا من قوى المعارضة وعلى رأسها الحركة الإسلامية، وقد قاطعت الانتخابات بسببه أكثر من مرة، كما أنه لقي معارضة من قوى موالية أيضا على رأسها حزب التيار الوطني.
علاوة على ذلك، فقد اتهم القانون بإضعاف الحياة النيابية، وإنتاج نواب "حارات" لا يفقهون في العمل النيابي، وتعرض مجلس النواب إلى هجوم شعبي واسع، وصل إلى حد التندر وإطلاق النكات، ما جعل أي قرارت يتخذها المجلس لا تروق للمزاج الشعبي.
ويعتقد أن الظرف الحالي أصبح مواتيا للنظام الأردني للتخلص من هذا القانون السيئ السمعة؛ فالربيع العربي أفل، والحرب الدموية في سوريا انعكست قلقا وخوفا وحرصا شعبيا على الاستقرار في الأردن، والحركة الإسلامية (المعارضة الرئيسة) تعاني من أزمة حادة، ولا يوجد أي خطر داخلي على النظام.
ومن هنا، فقد حرص النسور على تقديم مشروع قانون حكومته على أنه قانون يلغي نظام الصوت الواحد، وبهذا عنونت جميع الصحف في اليوم التالي: قانون انتخاب جديد يلغي الصوت الواحد.
نجح النسور في تسويق مشروع قانونه بهذه الصيغة، وجعل الجميع يعتقد أن البلد ستطوي مرحلة "الصوت الواحد" والمجالس النيابية الضعيفة.
لكن هل حقا طوينا تلك المرحلة:
أولا: من المبكر القول إن مشروع قانون النسور الذي يعتمد القائمة النسبية بدل الصوت الواحد سيقر في النهاية، فهناك مرحلة مجلس النواب ومجلس الأعيان، وربما تختلط الأوراق وتعاد الحياة لقانون الصوت الواحد، تماما كما حصل قبل ثلاثة أعوام.
ثانيا: مشروع القانون الجديد ألغى القائمة الوطنية التي كانت طريق
الأحزاب إلى مجلس النواب، حيث كان الجميع، وخصوصا العشائر، يتسابقون إلى الانضمام للقائمة الحزبية أو الوطنية لدخول مجلس النواب. أما في مشروع القانون الحالي، فإن الأحزاب ستلهث وراء العشائر للانضمام إلى قائمتها لتحظى بمقعد في مجلس النواب.
ثالثا: الأمر المؤثر في الانتخابات هو تقسيم الدوائر وتوزيع المقاعد، وهذه تصدر في نظام بعد إقرار القانون. أمّا تقسيم الدوائر وتوزيع المقاعد، فهو حكر على السلطة التنفيذية، ومن خلاله يمكنها التحكم في نتائج الانتخابات حتى وإن لقي القانون قبولا من المعارضة.
رابعا: اعتمد القانون القائمة النسبية، ومنع الناخب من اختيار مرشحين من قوائم مختلفة؛ هذا يعني أن الناخب سيكون مضطرا للاختيار بين قريبه وابن عشيرته في قائمة (أ) والشخصية التي يميل إليها فكريا أو حزبيا في القائمة (ب).
خامسا: نظام القائمة النسبية المقترح؛ قائمة تضم على الأكثر خمسة مقاعد، تساعد في تفتيت الكتل الكبرى، وكما يقول حزب التيار الوطني (أكبر أحزاب الموالاة)، فإن هذا النظام سيحبط محاولة أي كتلة كبيرة من الوصول إلى مجلس النواب، وهو لا يمكّن أكبر قوة من الحصول على أكثر من 25% من المقاعد.
سادسا: مشروع القانون الجديد ينعى مشروع
الحكومات البرلمانية التي أعلن الملك عبد الله الثاني رغبته في الوصول إليها في نهاية المطاف، فعدم تمكن أي قوة سياسية أو كتلة متجانسة من الحصول على أغلبية هو إعلان وفاة غير رسمي لفكرة الحكومات البرمانية.
سابعا: مع ذلك يتيح المشروع الجديد للناخب أصواتا بعدد مقاعد دائرته، وهذا قد يمكن القوى السياسية الكبيرة التي تمتلك قواعد شعبية من الحصول على مقاعد أكثر مما كان يتيحه لها قانون الصوت الواحد.
الخلا صة:
أولا: الهواجس التي أدت إلى ابتكار قانون الصوت الواحد عام 1993، ما زالت تحكم مزاج مطبخ القرار وإن كانت بنسبة أقل، فهناك حتى الآن تخوفات من وصول أغلبية برلمانية بغض النظر عن هويتها.
ثانيا: لا يوجد مؤشرات على وجود إرادة رسمية جادة لتنمية الأحزاب وتهيئتها لمرحة الحكومات البرلمانية.
ثالثا: وعليه، فإنه لا يوجد مؤشرات لتنمية حياة برلمانية متقدمة وصولا إلى الحكومات البرلمانية.
ومع ذلك، فإن هذا القانون يتيح لبعض القوى التي قاطعت الانتخابات الماضية بسبب قانون الصوت الواحد، أن تشارك في الانتخابات القادمة ما دام أن قانون الصوت الواحد انتهى ولو على الورق.