(قبل ثلاثة وثلاثين عاما ارتكبت "
داعش" أبشع وأعنف وأقذر وأكبر
مجزرة بالقرن الماضي في مخيم
صبرا وشاتيلا قرب بيروت.
نقول "داعش" لأننا لم نجد في الإعلام العالمي تسمية للإرهاب المسيحي، مع أن في رقبته ملايين الضحايا منذ ما قبل الحرب العالمية الأولى وحتى اليوم...).
بهذا "البوست" غردتُ أمس إحياء لذكرى مجازر أهرقت دماء ساخنة بدماء باردة استلزمت من منفذيها ثلاثة أيام متواصلة، تختلف المصادر في تحديد حجم شهدائها وضحاياها، فتراوحت التقديرات بين ألفين وثلاثة آلاف وخمسمئة طفل وعجوز وشاب وامرأة، وجميعهم عُزّل حتى من الحجارة، معظمهم فلسطينيون مع أقلية
لبنانية من العوائل الفقيرة التي لا تملك كلفة السكن داخل بيروت.
لكن لا المصادر ولا المراجع تختلف على أن من نفذ المذبحة هي الميليشيات الطائفية المسيحية المتمثلة في ذلك الحين بقوات حزب الكتائب التي قادها إيلي حبيقة (قاتل متسلسل أعلن توبته لاحقا عن الصهينة فالتحق بمحور الممانعة الذي استوعبه بمقعد نيابي وحقائب وزارية، قبل مقتله عن طريق سيارة مفخخة مطلع العام 2002 عندما قرر الذهاب إلى محكمة العدل الدولية في هولندا، لتقديم إفاداته حول ما جرى في صبرا وشاتيلا)، وذلك بمساعدة ميليشيا "جيش لبنان الجنوبي" المدانة لبنانيا بتهمة الخيانة العظمى، فيما تولت قوات الاحتلال الإسرائيلي التي كانت تحت قيادة آرئيل شارون ورافائيل إيتان محاصرة المخيم وإنارته ليلا بالقنابل المضيئة، لتسهيل عمليات انتقام الميليشيات المسيحية بالسلاح الأبيض والأسود من عبث منظمة التحرير الفلسطينية بأمن لبنان وسيادته، وتحويله إلى ساحة حرب مفتوحة، لكن الانتقام تم حصرا من المدنيين الفقراء الذين استسلموا لسكاكين التطرف المتصل فكرا وعقيدة وتخلفا وإجراما بجحيم القرون الوسطى ومحاكم التفتيش الديني في إسبانيا...
المهم وبعد "فسبكة" "البوست" أعلاه "واتَسني" (أي تحادث معي عبر الواتس آب) أحد زملائي المسيحيين يعتب عليّ ما وصفه بنبشي القبور، وبأن "الفلسطينيين دمروا حلم المسيحيين في وطن يحميهم في الشرق، والحروب ليست نزهة وتحصل فيها عادة التجاوزات وصولا إلى المجازر من كل الأطراف ولو بحماية المحتل فكلهم محتلون، والعودة إلى الماضي لا تسهم في بناء مستقبل مشرق...".
أجبت زميلي بأن كل علماء النفس والاجتماع حول العالم يدعون إلى تنقية الذاكرة الجمعية وليس دفنها، خصوصا عندما يتعلق الأمر بأرواح بشرية، والتنقية تكون بالاعتراف ثم الاعتذار فالتعويض، وهذا يطبق على كل الأطراف كل بقدر مسؤولياته الجرمية.
وبشأن "الوطن الحلم" فإن تنظيم "داعش" أيضا ينظر إلى الأنظمة المعاصرة على أنها نتاج لتدمير حلم "الخلافة الإسلامية" وهو يريد استعادتها بالجماجم وليس بالنزهات وبما يشبه مذابح صبرا وشاتيلا، فهل هذا المنطق العنفي مقبول، ويمكن العيش تحت سقفه وسيفه؟
أما بالنسبة للاتهام بالعودة إلى الماضي فاكتفيت بنسخ "بوست" على حساب فيسبوك زميلي المعترض وأرسلته له، كان كتبه في نيسان الماضي ويشارك فيه بحملة واسعة تدعو إلى إحياء ما يوصف بذكرى المجازر الأرمنية، وهي مناسبة اتخذ فيها وزير التربية في لبنان المحسوب على النائب ميشال عون حليف حزب الطاشناق الأرمني قرارا بتعطيل رسمي للمدارس اللبنانية في ذكرى مجزرة لم تحدث على أرض لبنان، ولم ينفذها لبنانيون ولم يُقتل فيها أي لبناني، فيما الأَولى أن نغسل عار لبنان بيوم صمت مقدس، من مجازر ارتكبها لبنانيون على أرضٍ لبنانية في صبرا وشاتيلا بحماية دبابات إسرائيلية، وقَتلوا فيها لبنانيين وفلسطينيين بشعارات دينية، والدين منهم براء.