يتابع حلفاء الولايات المتحدة التقليديون في مختلف أنحاء الشرق الأوسط غير مصدقين استعراضا للقوة من جانب
روسيا وإيران في
سوريا ويتساءلون عن كيفية انتهاء الأمر.
لقد فوجئ التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة للتصدي لتهديد الجهاديين المتمثل في تنظيم الدولة في سوريا والعراق، بالمقاتلات الروسية تقصف مقاتلي المعارضة الذين يحاربون الرئيس بشار الأسد وبتدفق قوات
إيرانية.
والسؤال الذي يدور في أذهان الجميع هو: هل ستتدخل الولايات المتحدة وحلفاؤها من الدول الأوروبية والسنية بالمنطقة لمنع الرئيس فلاديمير بوتين من إفساد المكاسب التي حققتها جماعات المعارضة السورية غير الجهادية بعد أكثر من أربع سنوات من بدء الحرب؟
ولا أحد تقريبا يحبس أنفاسه.
في كثير من الأحيان، يأخذ الحماس البعض وهم يؤكدون أن الوضع الحالي هو نتيجة تقاعس الغرب وتقهقر الولايات المتحدة في لحظات حرجة، في صراع لا يمكن السيطرة عليه تتحول أبعاده بسرعة من الإقليمية إلى العالمية.
وليس هناك في الشرق الأوسط من يعول على الرئيس الأمريكي باراك أوباما، إذ تخيم على الغالبية توقعات قاتمة بأن الحرب التي أودت بحياة ربع مليون شخص على الأقل وشردت نصف الشعب السوري على وشك أن تزداد تدهورا.
واتخذ الصراع مسارا مدمرا في كل مراحله.. بدأ بانتفاضة شعبية على حكم الأسد ضمن موجة انتفاضات "الربيع العربي" ثم تحول إلى حرب طائفية لها رعاة إقليميون مثل إيران والسعودية اللتين تدعم كل منهما فصائل محلية.
ودفع التدخل العسكري لروسيا وإيران، الحرب إلى شفا صراع دولي شامل.
واستدعى فيصل اليافعي كبير المعلقين بصحيفة "ذا ناشونال" الإماراتية كلمات ديفيد بترايوس الجنرال الأمريكي الذي قاد "زيادة" التعزيزات العسكرية الأمريكية في العراق بين عامي 2007 و2008، وقال: "أخبروني كيف سينتهي هذا الأمر".
وأضاف أنه بعد "زيادة" الحشد العسكري الروسي في سوريا فإن "أمريكا وحلفاؤها الآن يبدون وكأنهم المجموعة الوحيدة التي ليست لديها خطة".
وهو يعتقد أن التحالف العسكري الصاعد بين روسيا والداعمين الرئيسيْن الآخرين للأسد، وهما إيران وحزب الله اللبناني، لديه تصور عن "كيفية انتهاء هذا الأمر". ويقول إن هذا ينطبق أيضا على تنظيم الدولة .
فهو يرى أن النهاية بالنسبة لعائلة الأسد هي بقاؤها.
أما بالنسبة للدولة، فإن النهاية المرجوة هي تعزيز دولة الخلافة التي أعلنت قيامها في أجزاء كبيرة سيطرت عليها من سوريا والعراق العام الماضي. لكن بالنسبة لروسيا وإيران "فلا أقل من استبدال محورهما الخاص بالمحور الأمريكي الإسرائيلي".
محور جديد
بعد أن أنشأ الكرملين في بغداد مركزا لتبادل المعلومات بين سوريا والعراق وإيران وروسيا، أصبحت هناك الآن شبكة تدعمها موسكو وتربط بين طهران وبغداد، وتمتد إلى دمشق ثم لبنان عن طريق حزب الله.
جاء ذلك بعد أن سحبت الولايات المتحدة قواتها البرية من العراق وبدأت تقلص وجودها العسكري في أفغانستان.
ورغم استمرار مراقبة الممرات المائية في الخليج من قاعدة في البحرين والاحتفاظ بقوة جوية في قطر وتركيا، فإنه يبدو أن واشنطن عازمة على تجنب التورط العسكري على نحو أعمق في الشرق الأوسط.
ويقول محللون ودبلوماسيون إن نقطة التحول في سوريا حدثت قبل عامين عندما تراجع أوباما وحلفاؤه الأوروبيون عن الرد على ما تردد حينذاك عن استخدام الجيش السوري غاز الاعصاب في مهاجمة مدنيين في جيوب المعارضة شرقي دمشق، وذلك رغم أن الرئيس الأمريكي نفسه أعلن مرارا أن ذلك يمثل خطا أحمر.
وقال اليافعي: "عند هذه النقطة أدرك نظام الأسد والإيرانيون في الأساس أن الأمريكيين ليسوا جادين وليسوا مهتمين بدرجة كافية".
ولهذا السبب فهو يشك أن التدخل الروسي سيؤدي إلى حرب بالوكالة مع روسيا في الشرق الأوسط.
وقال اليافعي: "عليك أن تسأل السؤال بطريقة مختلفة".
وأضاف: "ما هو الأمر الذي سيجعل الأمريكيين يتدخلون؟ هل هو ذبح الأطفال والنساء؟ هذا الأمر قد حدث. هل هو تشريد ملايين الناس؟ وهذا قد حدث. هل هو مقتل مئات الآلاف من المدنيين؟ هذا أيضا قد حدث.
"أمريكا لم تكن مستعدة في أي مرحلة للتدخل.. فلماذا تتدخل فجأة الآن؟ المجال مفتوح أمام بوتين والروس".
يضاف إلى هذا التمنع الأمريكي أن المشهد على المستوى الإقليمي لا يمكن أن يكون في وضع أفضل لصالح تدخل إيران وروسيا.
فالسعودية وحلفاؤها في الخليج الذين يمثلون الداعمين الرئيسيين للمعارضة السورية مستغرقون في حرب في اليمن ضد الحوثيين المدعومين من إيران، في حين أن تركيا مشغولة بالتمرد الكردي.
وعلى الأرجح، فإنه سيتمثل الرد التركي والخليجي على الحشد العسكري الروسي والإيراني في زيادة الدعم العسكري لقوى المعارضة الرئيسة في سوريا، بدلا من المجازفة بالتدخل المباشر.
* دون فهم
لكن بعض المحللين يقولون إن روسيا ربما كانت تتدخل عن غير فهم وإنها تدخل بذلك مستنقعا غادرا في سوريا قبل أن تتمكن من إحكام سيطرتها على الصراع الذي بدأته في أوكرانيا، في وقت يعاني فيه اقتصادها من وطأة العقوبات الغربية وانخفاض أسعار النفط.
وقال مسؤول سابق في الأمم المتحدة له خبرة طويلة كمبعوث في المنطقة: "هذه انتهازية محضة. فقد نظروا إلى مدى (سوء) وضعنا ورأوا فرصة".
وأضاف المبعوث السابق الذي طلب عدم نشر اسمه: "هي مقامرة حقيقية؛ فهي أول مرة يرسلون فيها قوة إلى الخارج بعيدا عن دائرة الدول المجاورة منذ (الغزو السوفيتي عام 1979 لأراضي) أفغانستان. بل إن ذلك حدث على حدودهم... بوتين يحاول استعادة النفوذ الروسي المفقود في الشرق الأوسط".
وحتى اليافعي يقول إن فكرة إمكانية أن تحل روسيا محل الولايات المتحدة في المنطقة فكرة خيالية.
ويضيف: "ليس لديهم القدرة المالية. وهم ليسوا بحاجة للتورط لأن الأمريكيين راحلون. لذلك فإن مجرد الوجود المحدود سيكفي لإحداث أثر كبير".
حرب مفتوحة
ويقول مراقبون للوضع في سوريا، إن حكومة الأسد محظوظة بأعدائها مثلما هي محظوظة بحلفائها.
ويقول بعض المحللين، إن ما قد يغير هذه الحسابات هو ما إذا تحرك الروس وإيران لاستعادة مناطق في شمال غرب سوريا سيطرت عليها المعارضة في وقت سابق من العام الجاري.
ففي تلك المنطقة، لم تستهدف الطائرات الروسية تنظيم الدولة بل فصائل إسلامية أخرى تقاتل الجيش السوري وتنظيم الدولة بدعم من تركيا والسعودية وقطر، وفي بعض الحالات من الولايات المتحدة.
وكما ذكرت "رويترز" هذا الأسبوع، فإن قوات إيرانية ومقاتلون من حزب الله اللبناني يعتزمون استخدام الغطاء الجوي الروسي في شن هجوم بري في إدلب وحماة حيث لا وجود يذكر للدولة.
وهذه مجازفة بقلب كل الفصائل السنية على روسيا، في الوقت الذي ما زال بوتين يشعر فيه بالقلق لوجود أعداد كبيرة من الشيشان تشارك في القتال في سوريا ولطموحات الدولة في إقامة وجود لها في شمال القوقاز.
وقال المعلق اللبناني البارز سركيس نعوم، إنه إذا قررت روسيا شن عملية واسعة النطاق في الشمال فإن هذا قد يؤدي إلى "حرب على نطاق دولي".
أما إذا قصرت إيران دورها العسكري على دعم المنطقة الساحلية في الشمال الغربي الخاضعة لسيطرة الأسد والعاصمة دمشق تحصينهما، وتجنبت المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة الرئيسة القريبة من الحدود الأردنية والتركية، فمن المحتمل ألا يتصاعد الصراع على نطاق أوسع.
وقال نعوم عن مهاجمة المعارضة في الشمال: "هذه الخطوة تفتح الباب على حرب مفتوحة في المنطقة وحرب مذهبية علنية ممكن أن تتحول على المدى الطويل إلى فيتنام ثانية، أو أفغانستان الثانية للروس لن يكونوا قادرين على كسبها".
ويقول منتقدون لموسكو وقوى معارضة في سوريا غير تنظيم الدولة، إن التدخل الروسي والإيراني سيؤدي إلى جذب المزيد من المقاتلين السنة والجهاديين من الخارج إلى سوريا.
وقال نعوم: "ماذا سيفعل بوتين؟ هذه الحرب بين الجيوش النظامية والجهاديين لا تنتهي تماما كما حصل في العراق وأفغانستان. لو حصلت هذه المعركة فسيكون بوتين قد أدخل نفسه والعالم في مأزق بدايته معروفة لكن لن تعرف نهايته".