نشرت صحيفة لوموند الفرنسية تقريرا حول
التدخل الروسي في
سوريا، حاولت فيه البحث في الإستراتيجية الروسية والأهداف التي تريد تحقيقها على الأراضي السورية، في مقابل الأهداف التي يسعى
التحالف الغربي لتحقيقها.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي 21"، إن الرئيس الروسي، فلاديمير
بوتين، أعلن خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة عن دعوة روسيا كل المجتمع الدولي للانضمام إليها في "حربها على الإرهاب"، التي ينوي خوضها في سوريا، وبالتزامن مع هذا الخطاب كانت روسيا قد قامت مسبقا بإرسال طائراتها وعتادها إلى الأراضي السورية، لمساندة قوات نظام بشار الأسد.
وأضافت الصحيفة أن الدول الغربية التي تشارك منذ سنة في تحالف يضم 60 دولة لمحاربة تنظيم الدولة، تنظر بعين الشك والريبة لنوايا الدب الروسي، فبعد أن قامت الطائرات الروسية بشن أولى غاراتها، التي رافقها جدل كبير بشأن أهدافها الحقيقية؛ بين من يقول إنها تستهدف مناطق الجهاديين وبين من يقول إنها تستهدف الجيش السوري الحر، يتساءل الأمريكيون والأوروبيون بقلق على الإستراتيجية العسكرية الروسية في سوريا.
ونقلت الصحيفة عن ميشال غويا، وهو باحث استراتيجي فرنسي وأستاذ علوم سياسية، أن التدخل الروسي في سوريا يهدف إلى حماية نظام بشار الأسد ضد تقدم المعارضة المسلحة، والوقوف ضد أي خطوة قد يتخذها التحالف الغربي ضده.
وأضاف ميشال غويا أن المخطط الروسي يتمثل في وضع قوات برية مقاتلة، تكون محدودة العدد ولكنها ذات قدرات فائقة، لتمثل قوة ضاربة وفعالة تساعد جيش نظام الأسد وحلفاءه من الميلشيات الشيعية في المناطق التي لا تزال تحت سيطرتهم.
أما في مواجهة النوايا الغربية، فإن روسيا تعتقد أن حضور أنظمة الرادار والمضادات الأرضية والطائرات المقاتلة المتطورة، يمنع التحالف الغربي من التفكير في التدخل ضد بشار الأسد، خوفا من الانجرار لمواجهة مباشرة مع الدب الروسي، وهو ما أدى بالفعل إلى تراجع ملحوظ في حضور طائرات التحالف الغربي في الأجواء السورية خلال الأيام الأخيرة، تجنبا لأي حوادث قد تؤدي لاندلاع مواجهة شاملة.
واعتبر ميشال غويا أن هذه الحسابات المعقدة، تمكن القوات المشتركة الروسية السورية من ضرب مواقع تنظيم الدولة وبقية الفصائل المسلحة، وحتى المعارضة المعتدلة، بشكل يمكن بشار الأسد من تغذية النزعة المتطرفة، على حساب الحركات المعتدلة، وبالتالي البروز في مظهر الحليف الذي لا يمكن الاستغناء عنه في الحرب على الإرهاب.
كما لاحظ ميشال غويا أن حضور القوات الروسية، يمنح مجالا كبيرا من الحرية لطائرات النظام والميليشيات التابعة له، لمواصلة السياسات نفسها التي كانوا يعتمدونها، وهي سياسات التطهير العرقي والترهيب والسير نحو تقسيم البلاد، وهو خيار يعتبره النظام الأقل سوء بالنسبة له بما أنه يشعر بأن الخناق بدأ يضيق عليه.
كما اعتبر الباحث أن القوات الروسية الموجودة في سوريا، على الرغم من أهميتها في ترجيح كفة النظام السوري على حساب المعارضة، فإنها غير كافية لتدمير تنظيم الدولة وإعادة المناطق التي استحوذ عليها، لأن هذا الأمر أكثر تعقيدا مما يعتقد الكثيرون.
كما نقلت الصحيفة عن جوليان نوسيتي، وهو باحث في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية ومتخصص في الشأن الروسي، قوله إن "الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال أولى عملياته في الأجواء السورية يوم الأربعاء 30 أيلول/ سبتمبر، حافظ على الغموض بشأن الأهداف الحقيقية التي كانت الطائرات الروسية تستهدفها".
وأردف أن "روسيا تخوض حربين متوازيتين في كل من سوريا وأوكرانيا، التي تواجه فيها روسيا جمودا في الموقف هنالك، على الرغم من أن قائد القوات الانفصالية في دونسك أعلن نهاية الحرب في مقاطعة دونباس، منذ أولى الضربات الروسية على الأوكرانيين".
ويضيف "يكمن وجه الشبه بين المعركتين، في أن روسيا تواجه في القوات الأوكرانية وقوات المعارضة المعتدلة السورية، وكلاهما مدعومتان أو على الأقل مدربتان على يد القوات الأمريكية".
وقال جوليان نوسيتي إنه على المستوى العسكري، فإن التدخل العسكري الروسي في سوريا يمثل تحديا لا يمكن لأي من القوى الغربية التصدي له على المدى القصير، كما أنه يمكن روسيا من إثبات قدرتها على التمدد وإيصال قواتها إلى ما بعد الفضاء الذي كان يعرف بالإتحاد السوفيتي".
كما لاحظ هذا الباحث أن روسيا، من خلال ضربها جيش الفتح في محافظة إدلب، الذي يوجد في صفوفه الكثير من القوقازيين، تقوم بإرسال إشارة قوية إلى هؤلاء المقاتلين ومن يساندهم. "أما على المستوى الاستراتيجي فإن الأحداث تدور في مناطق محاذية للأراضي التركية، وفي المناطق الساحلية التي تمثل معقل العلويين، الذي تتمركز فيه أغلبية القوات الروسية".
ولكن من خلال ضرب فصائل معارضة معتدلة، لا تنتمي إلى تنظيم الدولة، فإن الروس على وشك الوقوع في مأزق جديد، من خلال إنتاج تحالف مقدس بين قوى المعارضة، يجمع الفصائل المتشددة والمعتدلة.
كما اعتبر هذا الباحث أن "التدخل الروسي يؤشر على نهاية العلاقات الروسية العربية، التي ظلت لوقت قريب تتسم بقدر من الإيجابية، مستندة على حقيقة أن روسيا لم تستعمر أي من الدول العربية في الماضي".
وفي الختام، حذر الباحث من أن "كل الحسابات الروسية التي دفعت الروس إلى التدخل في سوريا مبنية على أساس أن الدول الغربية ستقف متفرجة أمام الضربات الجوية الروسية، ولكن ليس من المؤكد أن هذا الصمت الغربي سيستمر إلى ما لا نهاية".