نشرت صحيفة "إندبندنت" البريطانية تقريرا لمراسلها بن لينفيلد من
القدس، يقول فيه إنه بينما كان يحتفل سكان حي بطن الهوى العرب بعيد الأضحى، كان جيرانهم
الإسرائيليون غير المرحب بهم يقومون بصيانة الشقق التي انتقلوا إليها خلال أيلول / سبتمبر.
وينقل التقرير عن هؤلاء المستوطنين قولهم إنهم اشتروا تلك
العقارات، ولكن الفلسطينيين يقولون عكس ذلك، ومهما يكن فإن المستوطنين من منظمة "عطيرت كوهنيم" يشجعون اليهود على العيش في المناطق العربية، وقد سيطروا الآن على الشقق كلها عدا شقة واحدة في بناية مؤلفة من خمسة طوابق، وتقع في موقع استراتيجي، محققين تقدما آخر في جهودهم لـ "استعادة" بطن الهوى كونها منطقة يهودية.
ويشير لينفيلد إلى أنه في شارع ضيق يتضايق
الفلسطينيون من أوامر الحراس الإسرائيليين بأن يقولوا لأطفالهم أن يفسحوا المجال للمستوطنين كي يمروا، ويقول زهير الرجبي وهو ناشط في حيه: "عندما أرى ماذا يحصل في حيي، المكان الذي يلعب فيه أطفالي، وأرى المستوطنين يسيطرون على كل شيء أشعر بأنني أختنق، وكأنني تحت الإقامة الإجبارية".
وتذكر الصحيفة أنه بينما يقوم المستوطنون بترميم البيوت، يقوم محاموهم بإعادة تشكيل المنطقة المجاورة لثالث أقدس موقع للمسلمين، الحرم القدسي الشريف، وتحتوي المنطقة على المسجد الأقصى، ولكنها أيضا مقدسة لدى اليهود، حيث يسمون المنطقة جبل الهيكل، وهو من أهم المناطق المقدسة لليهود. ويقول الرجبي إن منظمة "عطيرت كوهنيم" رفعت قضايا ضد تسع عائلات فلسطينية في حي بطن الهوى، بحجة أن تلك العائلات بنت بيوتها على أراض لا تمتلكها بل تعود ملكيتها إلى "وقف ديني يهودي يدعى بنفنستي منذ نهايات القرن التاسع عشر"، وبيت الرجبي واحد من تلك البيوت. كما أن "عطيرت كوهنيم" تحاول طرد عائلتين تعيشان في بيتيهما منذ عام 1948، بحجة أن تلك البناية "كانت معبدا يهوديا تابعا للأوقاف".
ويورد التقرير نقلا عن مدير مؤسسة "ترستريال جيروسالم" غير الحكومية دانيال سيدمان، قوله إنها "المرة الأولى التي يتم فيها اختراق نسيج منطقة فلسطينية"، منذ تسعينيات القرن الماضي. ويقول المسؤول عن مراقبة نمو المستوطنات لصالح مؤسسة "بيس ناو" إيال راز، إن الوضع في بطن الهوى يضعف إمكانية التوصل إلى حل دولتين في المستقبل، وأضاف: "بطن الهوى اليوم هو خط المواجهة الأول لمعركة المستوطنين لضمان عدم التوصل إلى حل سياسي".
ويبين الكاتب أن القضايا ترتكز على قانون صادقت عليه الكنيسة عام 1970، يسمح لليهود الإسرائيليين بـ "استعادة" العقارات في القدس الشرقية، التي سيطرت عليها القوات الأردنية في حرب عام 1948. أما فلسطينيو القدس الشرقية فلا يحق لهم استعادة عقاراتهم في القدس الغربية، التي وقعت تحت السيطرة الإسرائيلية في الحرب ذاتها.
وتلفت الصحيفة إلى أنه بناء على هذا القانون، فقد قامت
المحكمة المحلية في القدس بإصدار حكم في شباط/ فبراير، بأن قطع أرض تصل مساحتها إلى 5200 متر مربع في بطن الهوى، التي كان يملكها في نهاية القرن التاسع عشر "وقف ديني يهودي" للجالية اليهودية اليمنية المهاجرة، وأنه يجب إعادتها لذلك الوقف، الذي تديره منظمة "عطيرت كوهنيم".
ويقول راز للصحيفة إن قرار المحكمة يمهد الطريق لطرد 88 عائلة فلسطينية يعيشون فوق تلك الأراضي. وغادر آخر اليهود اليمنيين تلك المنطقة خلال التوتر بين العرب واليهود أثناء ثورة الفلسطينيين ضد الاحتلال البريطاني 1936 - 1939.
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن المدير التنفيذي لجمعية "عطيرت كوهنيم" دانيال لوريا، يعترف بأن "عشرات العائلات ستتأثر"؛ بسبب حكم المحكمة لصالح الوقف اليهودي "وإن حكمت المحكمة بأن هؤلاء (الفلسطينيين) كانوا سكانا غير شرعيين، فإن نوع البناية سواء كانت معبدا أو بناية عامة لليهود اليمنيين، وكل بناية وكل عائلة عربية سيرفع فيها قضية منفصلة".
وأضاف لوريا أنه يتوقع أن تقبل العائلات العربية في حالات كثيرة التوصل إلى ترتيب مالي مقابل تركهم. وأصر على أن عرض المال "هو أكثر مما يتطلبه القانون".
ويقول الرجبي للصحيفة إن المستوطنين عادة ما يستخدمون الضغط النفسي على الفلسطينيين لإقناعهم بالمغادرة. وقال في إحدى الحالات هدد ممثل المستوطنين فلسطينيا كان لديه تصريح مؤقت بالوجود في القدس، وكان يعيش في بيت يستهدفه المستوطنون، قائلا: "أنت موجود هنا بشكل غير قانوني، وأستطيع أن أطردك إلى الخليل".
ويتابع الرجبي بأن ممثل المستوطنين ذاته اتصل به، ليقول له إنه يعلم بأن الناشط قضى فترة في السجن بتهمة تزوير وثيقة، وأضاف: "وضعك صعب، وسيكون مجزيا لك أن تبيع".
ويبين لينفيلد أن لوريا أنكر أن موظفي "عطيرت كوهنيم" يضغطون على الفلسطينيين أو يضايقونهم كي يغادروا. ويقول الفلسطيني عبدالله أبو ناب (58 عاما)، الذي يعمل مقاول بناء، إنه لن يخرج من شقته المؤلفة من غرفتين مهما عرضوا عليه من أموال، بالرغم من أن المستوطنين سيطروا على معظم البناية منذ أيار/ مايو. وهذا بعد أن قام ابن عمه، الذي كان يعيش في ثلاث شقق أخرى، بالتوصل إلى اتفاق مالي مع "عطيرت كوهنيم".
ويذكر التقرير أن "أبو ناب" عنده توأمان عمرهما 8 سنوات، وكانت عائلته تدفع الأجرة لعائلة فلسطينية منذ عام 1948، وهو يواجه الآن تهديدا بالطرد من بيته في 25 تشرين الأول/ أكتوبر، ولكنه يقول: "لم أقبل فلوسهم، ولن أقبلها. أنا ولدت هنا وحتى قبل أن ألد كنت في رحم أمي في هذا البيت".
وتختم "إندبندنت" تقريرها بالإشارة إلى أن لوريا قال مدافعا عن قضايا طرد السكان الفلسطينيين إنها هي ناتجة عن تطبيق القانون. وأضاف أن إعادة هذه العقارات لليهود هي جزء من "عملية الخلاص"، التي يعتقد بأنها ستتوج بإعادة بناء الهيكل في القدس.