ناقش معهد "واشنطن لدراسات الشرق الأدنى" تداعيات تحليق الطيران الروسي في الأجواء التركية في 3 تشرين الأول/ أكتوبر، مشيرا إلى أن الطيران قد يكون متعمدا ويحمل رسائل وتبعات "أكثر مما يتراءى للعين"، بحسب تعبيره.
وقال الخبير جيمس جيفري، السفير الأمريكي السابق في
تركيا، إن ما يجعل التحليق الروسي فوق الأراضي التركية مثيرا للقلق هو موقعه فوق مدينة يايلاداغي في مقاطعة
هاتاي، على الحدود التركية السورية، ما يجعلها ذات أهمية لأسباب أخرى.
وأضاف جيفري أن سكان هاتاي هم من العلويين، الطائفة ذاتها التي ينتمي إليها رئيس النظام السوري بشار الأسد ومعظم قياداته، بالإضافة لتاريخ معقد للولاية يعقد حسابات أنقرة حول التدخل الروسي.
وأوضح السفير السابق أنه هاتاي كانت تعرف حتى أوائل القرن العشرين بـ"سنجق الإسكندرون"، ولم يكن سكانها الذين يشكلون خليطا من العلويين والسنة العرب والأتراك والتركمان والشركس والأرمن والمسيحيين المشرقيين والأكراد جزءا من تركيا، كما أُنشئت وفقا لـ"معاهدة لوزان" بعد الحرب العالمية الأولى، بل جرى انتداب المنطقة إلى فرنسا إلى جانب
سوريا ولبنان.
وأشار جيفري إلى أن مقاطعة هاتاي "تمتعت بوضع خاص في إطار الانتداب الفرنسي و"الدولة" السورية، مع منح المجتمع التركي حقوقا ثقافية ولغوية خاصة به"، موضحا أنها أصبحت في النهاية في عام 1938 "جمهورية" بطلب الرئيس التركي مصطفى كمال أتاتورك، تحت وصاية فرنسية وتركية مشتركة.
وتابع بالقول بأنه "وبعد ذلك بوقت قصير، أنشأت المعاهدة البريطانية-الفرنسية-التركية لعام 1939 اتفاقية أمنية متبادلة بين الدول الثلاث، واعتُبر التنازل عن هاتاي إلى تركيا بمثابة مقابل لانضمام أنقرة إلى الاتفاق. وعلى الرغم من أن تركيا لم تساعد فرنسا وبريطانيا في الحرب العالمية الثانية، نظرا إلى بند إعفائها من أي صراع قد يؤدي إلى قتال مع الاتحاد السوفياتي، الذي تحالف مع ألمانيا في عام 1939، إلا أنها استمرت في الاحتفاظ بهاتاي".
أما من الناحية السورية، فلم تعترف سوريا يوما بشكل رسمي بفقدان هاتاي، بحسب جيفري، الذي أوضح أن "الخرائط السورية لا زالت لا تُظهر هاتاي جزءا من تركيا"، مستدركا بالقول إنه "وفي حين توقفت دمشق عن التشديد على هاتاي كجزء من أراضيها خلال ذوبان الجليد في العلاقات -قبل عقد من الزمن- بين الأسد ورئيس الوزراء التركي آنذاك رجب طيب أردوغان، إلا أنها لم تعترف رسميا بسيادة تركيا".
وفي السنوات السابقة، كانت هاتاي جزءا من الحرب الباردة بين أنقرة ودمشق، الذي شمل دعم سوريا لـ"حزب العمال الكردستاني" المتمرد وتأمين ملجأ لزعيمه، على الأقل إلى أن هددت تركيا بغزو سوريا في أواخر التسعينات، في حين أشار السفير الأمريكي السابق إلى حادثة سؤال الرئيس التركي السابق وقائد الجيش كنعان إيفرين عن التهديد باسترجاع هاتاي من الجانب السوري، فأجاب بكلمة واحدة: :Gelsinler"، أو "دعوهم يأتون".
واعتبر الخبير بالشؤون التركية أن الأسد، بصفته رئيس النظام والزعيم غير الرسمي للطائفة العلوية، يعرف هذه القصة، متسائلا باستنكار: هل تعرف دولة مهووسة لهذه الدرجة بماضيها وبمطالباتها التاريخية هذه القصة؟
وواصل جيفري تساؤلاته قائلا: "هل يمكن للمرء أن يستنتج أن التحليق فوق تركيا كان متعمدا؟ هل كان وسيلة لتحذير تركيا من أنها إن لم تحسن سلوكها في القضية السورية، حيث هي على خلاف عميق مع
روسيا والأسد، فقد تدفع ثمنا باهظا في يوم من الأيام؟".
واختتم جيفري بقوله إن تنظيما عسكريا عقلانيا بحكم معرفته للتاريخ، مثل موسكو، كان سيعطي تحذيرات خاصة لطياريه ولوحدات التحكم بالرادار بعدم انتهاك المجال الجوي في هاتاي، مشيرا إلى أنه يبدو من غير المحتمل أنه تم إعطاء مثل هذه التحذيرات، موضحا بالقول: "وعلى نطاق أوسع، بينما يغيّر بوتين الوضع القائم باستخدام القوة في الشرق الأوسط، كما فعل في أوروبا الشرقية منذ عام 2008، فإنه لم يعد بإمكان المجتمع الدولي استبعاد أي دافع لأفعاله".