تتصدر الجماعات
السلفية على الساحة السورية، قائمة الجماعات والتنظيمات والحركات المسلحة المقاتلة للنظام السوري وحلفائه، فهي الأكثر حضورا والأشد قوة على الصعيد العسكري بحسب محللين.
لكن تلك الجماعات تتباين في مرجعياتها الشرعية والفكرية، المتراوحة بين السلفيات ذات التصنيف الثلاثي المتداول إعلاميا، السلفية العلمية (الرسمية)، والسلفية الحركية (الإصلاحية)، والسلفية الجهادية.
ووفقا لخبراء وباحثين في شؤون
الثورة السورية، فإن "جيش الإسلام" بقيادة زهران علوش يعتبر من أبرز الفصائل المحسوبة على السلفية العلمية، ويمثل السلفية الجهادية كل من تنظيم الدولة الإسلامية، وجبهة النصرة، بينما تُعد الفصائل السلفية ذات الصبغة المحلية كأحرار الشام، وصقور الشام، ولواء الإسلام، وشبيهاتها من الجماعات المحسوبة على السلفية الحركية الإصلاحية.
أين تقع "السلفية
السرورية" بين تلك السلفيات؟ وما مدى حضورها وتأثيرها على الفصائل السورية المسلحة؟ وما هي طبيعة العلاقة بين السلفية السرورية بتأثيراتها وامتدادتها في الحالة السورية وبين الفصائل السلفية المسلحة الأخرى؟
السرورية: نشأتها ومسارها وأفكارها
تُنسب السلفية السرورية إلى الشيخ السوري (حوراني المولد والنشأة) محمد سرور زين العابدين، الذي بدأ حياته الدعوية والفكرية عاملا في صفوف إخوان
سوريا، ثم انشق عنهم على خلفية خلافات فكرية ومنهجية.
ووفقا للخبير والباحث في شؤون الحركات الإسلامية، حسن أبو هنية، فإن ما يُعرف بـ"السلفية السرورية" هي تزاوج ومصاهرة بين الأفكار القطبية والأصول السلفية، نشط في الدعوة إليها الشيخ محمد سرور بعد سفره إلى السعودية للتدريس هناك، ثم انتقاله للكويت، وهجرته إلى بريطانيا.
يشرح أبو هنية لـ"
عربي21" طبيعة تركيبة السلفية السرورية بأن مؤسسها أخذ من الإخوان الحركية والتنظيم، والاهتمام بالواقع السياسي، وأخذ من السلفية الأصول العقائدية والمنهجية في التلقي واستمداد العلم الشرعي، ثم زاوج بينهما.
وحول مناطق انتشار هذا اللون من السلفيات، أوضح أبو هنية أنها منتشرة في السعودية والكويت ودول الخليج، وفي الأردن ولها تواجد وامتدادات في كثير من الدول، أما من حيث تصنيفها بين السلفيات فهي الأكثر تعبيرا وتمثيلا لما يُعرف بالسلفية الحركية أو الإصلاحية طبقا لأبي هنية.
وتحديدا لأكثر الاتجاهات والشخصيات السلفية تأثرا بهذا النسق من السلفيات، قال أبو هنية من أكثر الاتجاهات تأثرا به هو اتجاه الصحوة السعودية في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، ومن رموزه، سفر الحوالي، وسلمان العودة، وناصر العمر، وعائض القرني، الذين كان لهم موقف معارض للدولة السعودية في استعانتها بالقوات الأجنبية إبان حرب الخليج الثانية.
ولكن إذا كانت السلفية السرورية قد اشتغلت بفقه الواقع واهتمت بقضاياه بصورة أكبر من السلفية العلمية بحسب منظريها ودعاتها، فما هي القضايا الأخرى التي خالفت فيها السلفية العلمية؟.
يرى الدكتور محمد السعيدي، أستاذ الفقه وأصوله بجامعة أم القرى في المملكة العربية السعودية أن السلفية السرورية جنحت إلى تكفير الحكومات لكونها لا تحكم بشرع الله دون الأخذ بالتفصيل الذي يذكره أهل العلم في هذا المجال، بينما لا ترى السلفية العلمية تكفير الحكام لعدم تطبيقهم الشريعة إلا من كان جاحدا أو مبدلا أو مقدما لحكم البشرعلى حكم الله.
خريطة الفصائل السلفية ومواقف السلفيين منها
في تحديده لتضاريس ومعالم خريطة الفصائل السلفية المسلحة في سوريا، أوضح الكاتب والباحث الإسلامي الكويتي، علي السند أن السلفيات بتصنيفها الثلاثي متواجدة على الساحة السورية، وأن مواقف سلفيي السعودية والكويت والخليج تختلف في دعمها ومعارضتها لتلك السلفيات.
يتابع السند: فالسلفية العلمية (الرسمية) في السعودية والخليج تدعم "جيش الإسلام" بقيادة زهران علوش لأن نشأته سعودية، ودرس في الجامعة الإسلامية، بينما أعلن غالب مشايخ ورموز السلفية في وقت مبكر رفضهم ومهاجمتهم لمشروع الدولة الإسلامية وخلافة أبي بكر البغدادي.
وأكدّ السند في حديثه لـ"
عربي21" أن غالب مشايخ ورموز السلفية الحركية في السعودية والخليج انحازوا إلى حركة أحرار الشام باعتبارها الأقرب إليهم كحركة سلفية معتدلة، وبعضهم تعاطف مع جبهة النصرة مع تحفظه على منهج الغلو في بعض اتجاهاتها، وباعتبارها فرعا للقاعدة في سوريا.
من جهته وفي السياق ذاته اعتبر الداعية السوري والباحث الإسلامي، الدكتور جمال الفرا أن حضور السلفية السرورية في الثورة السورية، لا يتمثل بوجود تنظيم أو جماعة منظمة خاصة بها، وإنما تأثيرها وحضورها ينحصر في دورها التنظيري والإرشادي عبر إقامة الندوات، وعقد الجلسات الحوارية التي يدعو إليها القادة والرموز، وعبر إصداره للبيانات من أجل حماية الثورة وترشيد مساراتها.
وأوضح الفرا لـ"
عربي21" أن حركة أحرار الشام من الجماعات التي تأثرت بتنظيرات وتأصيلات السلفية السرورية، من غير أن تكون تابعة لها تنظيميا، كغيرها من الفصائل السلفية الأخرى غير المؤطرة في السلفيات الأخرى كالجهادية والعلمية.
وهو ما أكده خالد أبو أنس، أحد شرعيي حركة أحرار الشام، في رده على سؤال "
عربي21" عبر حسابه على "تويتر" حول انتماء حركته للسلفية السرورية، بقوله "نحن لسنا سرورية، ولا محسوبين على أي جماعة، نحن نستفيد من الخير الموجود في أي جماعة".
ولفت الفرا إلى أن حضور السلفية السرورية ازداد قوة، بعد تهديد تنظيم الدولة الإسلامية لتلك الجماعات السلفية، وإهداره لدماء قادتها ومقاتليها، فالتقت كلها على حرب (داعش) متخذة من السلفية السرورية مرجعية لها في تعرية التنظيم وكشف حقيقته من الناحية السياسية والفكرية والشرعية.
وأشار الفرا في ختام حديثه إلى أن نشاط "السلفية السرورية" وحضورها كان واضحا وظاهرا في تنظيمها ومشاركتها في مؤتمرات "الندوة التشاورية في الشأن السوري" التي عقد منها أربع ندوات دعي إليها قادة فصائل ورموز سورية مختلفة، للتباحث في شؤون الثورة السورية ومن الهيئة القادرة على تمثيلها سياسيا.