نشرت صحيفة لوموند الفرنسية تقريرا، حول الجدل الدائر حاليا في
فرنسا، بخصوص طبيعة المقاتلين الأجانب في
سوريا، خاصة بعد إصدار
القضاء قرارات متعلقة بفرنسيين أو مقيمين في فرنسا شاركوا في القتال في سوريا.
وقالت الصحيفة، في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن مكتب المدعي العام في باريس أعد لائحة اتهام ضد قاصرين من تولوز، كانوا يقاتلون في سوريا، بعد أن رفض محاكمتهم أمام محكمة الأطفال، ونزع عنهم صفة الجنود الأطفال، ووجه لهم تهمة "القتال مع مجموعات إرهابية".
وأضافت الصحيفة أن المكتب ذاته فتح تحقيقا أوليا، في 15 أيلول/ سبتمبر الماضي، بشأن انتهاكات النظام السوري لحقوق الإنسان بين عامي 2011 و2013، بناء على صور لجثث ضحايا تعذيب في مشرحة للشرطة العسكرية بدمشق، قام بتسريبه عنصر منشق أطلق عليه لقب "قيصر".
وقالت الصحيفة إن السؤال المحوري هو: هل سوريا في حالة حرب أم سلم؟ ورأت أن محاكمة الطفلين بتهمة الانتماء لتنظيم إرهابي وليس كجنود أطفال، هو إنكار لحقيقة أن سوريا في حالة حرب، في حين أن التحقيق بشأن انتهاك حقوق الإنسان في سوريا هو اعتراف ضمني بوجود حرب.
وذكرت الصحيفة أن الجرائم المرتكبة في أثناء الحرب في سوريا، من الممكن أن تدخل تحت طائلة قوانين الحرب أو قانون الإرهاب. وأضافت أن 168 من ملفات
الجهاديين الذين ذهبوا أو عادوا من سوريا، تقبع الآن على رفوف قسم مكافحة الإرهاب بباريس.
وأضافت أنه بالنسبة للقضاء الفرنسي تعد الإدانة بالانتماء لتنظيم إرهابي من الأمور السهلة، فمجرد إثبات وجود الشخص على الحدود التركية السورية أو نشره دعوات للجهاد على فيسبوك، أو حتى وجود منشورات للقاعدة أو لتنظيم الدولة على حاسوبه الشخصي، يمكن اعتبار ذلك دليل إدانة.
وذكرت الصحيفة أن التحقيق في الجرائم التي حصلت في سوريا بات أمرا معقدا، خاصة بعد دعوة
تنظيم الدولة مجنديه إلى عدم استخدام الهواتف المحمولة أو أجهزة تعقب المواقع "جي بي أس"، أو مواقع التواصل الاجتماعي.
ونقلت الصحيفة عن متخصص بقضايا الإرهاب، قوله: "نظرا لغياب الأدلة الفردية، تبقى الأدلة الجماعية فعالة، ذلك أن تنظيم الدولة لازال ينشر مقاطع فيديو لعملياته على الإنترنت".
وبحسب الصحيفة، فإن المحامين الذين ينوبون عن أشخاص يواجهون تهما متعلقة بالإرهاب في فرنسا؛ كانوا حتى قبل اندلاع الحرب في سوريا يسعون لإثبات أن موكليهم محاربون وليسوا إرهابيين، وبالتالي يدخلون تحت طائلة قانون الحرب وليس الإرهاب، على غرار قضية متنزه "بيت شومون"، التي وقعت في أيار/ مايو 2008، والتي شهدت تخفيف الحكم عن شريف كواشي، الذي تورط لاحقا في هجمات "شارلي إيبدو" برفقة شقيقه سعيد.
وقالت الصحيفة إن شريف كواشي كان قد اعتقل بينما كان يستعد للذهاب للقتال في العراق، ولكن القضاء برأه من تهمة الإرهاب، نظرا لطبيعة الوقائع التي حصلت في العراق،. فبحسب القانون الدولي، فإن المتهمين كانوا يهدفون إلى الدفاع عن المدنيين الذين كانوا تحت القصف.
كما أشارت الصحيفة إلى قضية أخرى نظر فيها القضاء الفرنسي في 2 كانون الأول/ ديسمبر 2011، في محكمة الاستئناف بباريس، تتعلق بفرنسي ذهب للحدود الباكستانية الأفغانية في سنة 2009، حيث اعتبر القاضي أن أفغانستان ليست في حالة حرب أو صراع مسلح، متجاهلا الوجود العسكري لحلف الشمال الأطلسي فيها، والحرب الأهلية بين الحكومة المدعومة من الغرب وطالبان.
واستنتجت الصحيفة أن هذا النهج الذي اعتمد في سنة 2011، هو نفسه الذي تم تطبيقه على هذين القاصرين من مدينة تولوز، رغم أن الجميع يعلم بشأن الصراع السوري.
ونقلت الصحيفة عن المحامي الفرنسي، آريي أليمي، في قضية الفرنسي الذي قبض عليه على الحدود الأفغانية الباكستانية، قوله في أثناء المرافعة: "لو فرضنا أن موكلي حارب هناك، فهو عبارة عن مقاتل ضد قوات مسلحة أجنبية في دولة تشهد حربا أهلية"، وقد استند في قوله إلى "اتفاقية نيويورك" الموقعة سنة 2000، التي تستثني من يشارك في الصراع بصفة مباشرة من تهم الإرهاب.
وقالت الصحيفة إنه في 24 أيلول/ سبتمبر الماضي، صدر قرار من محكمة الاستئناف في باريس؛ يقضي بالشروع في جمع الأدلة عن الجرائم المرتكبة، حيث تم الأخذ بعين الاعتبار شهادة عائلة سورية ضد جهادي فرنسي، يدعى ماكسيم هوشارد، الذي ظهر مكشوف الوجه في شريط فيديو يصور قيام تنظيم الدولة بقتل رهينة أمريكي يدعى بيتر كاسيغ مع ثمانية سوريين، قال التنظيم إنهم طيارون تابعون للنظام.
وفي الختام، قالت الصحيفة إن محامي ماكسيم هوشار، فابريس ديليندي، المقرب من حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف، يطالب بإجراء حوار مع بشار الأسد، وإجراء تحقيق مشترك مع قضاء النظام السوري، غير أن ذلك غير وارد حاليا، في ظل انقطاع العلاقة بين باريس ودمشق.