نشرت مجلة سلايت، الناطقة بالفرنسية، تقريرا حول تفاعل السلطة الفلسطينية مع
الانتفاضة التي اندلعت في الضفة الغربية والقدس، قالت فيه إن
محمود عباس وبقية مسؤولي السلطة الفلسطينية، المتعرضين لانتقادات كثيرة بسبب
فضائح الفساد وفشل مسار المفاوضات مع إسرائيل؛ لا يريدون انتفاضة تقوض سلطتهم.
وذكرت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن التجارب السابقة في انتفاضة 1987 - 1993 ثم انتفاضة 2000-2005؛ شهدت قيام المسؤولين الفلسطينيين بالركوب على الأحداث، حيث أنه في كل مرة يدخل الشعب الأعزل في مواجهات مع الاحتلال الإسرائيلي، ثم تأتي السلطة الفلسطينية للتحدث باسمهم وحصد ثمار هذه التحركات والتضحيات.
كما ذكرت المجلة أن محمود عباس، الذي يعرف جيدا التاريخ السياسي للقضية الفلسطينية، يسيطر بشكل تام على الضفة الغربية، كما أنه يسيطر على الأجهزة الأمنية هناك، وهو ما يجعله صاحب القرار فيما يخص التعامل مع شباب الانتفاضة الفلسطينية.
وتقول المجلة إن محمود عباس يحاول إنهاء الاحتجاجات الدائرة الآن، بدعوى "عدم إعطاء فرصة للمخططات الإسرائيلية التي تهدف لتأجيج الوضع، وجر الفلسطينيين إلى دوامة العنف".
واعتبرت المجلة أن ذلك يعني رغبته إنهاء الانتفاضة في القدس والضفة، وأن السبب الحقيقي وراء ذلك هو أن هذه المعركة التي هي بصدد الاتساع، تشكل خطرا على سلطته، وهو أكثر شخص يعرف إلى أين يمكن أن تصل الأمور.
وفي هذا السياق ذكرت المجلة بأن انتفاضة الحجارة التي انطلقت في التاسع من كانون الأول/ديسمبر 1987؛ اندلعت بسبب حادث تصادم بين شاحنة إسرائيلية وسيارة فلسطينية، أدى إلى وفاة أربعة ركاب عرب، ما دفع المتظاهرين الغاضبين لاكتساح مدينة غزة خلال تشييع القتلى، والدخول في مواجهات مع جيش الاحتلال الإسرائيلي في مخيم جباليا.
وبذلك تجاوزت الأحداث "الحرس القديم" التابع للسلطة الفسلطينية، وظهرت وجوه جديدة ثورية في صفوف الفلسطينيين، في مواجهة القيادات القديمة والفاسدة.
وقالت المجلة إن زيارة أرييل شارون إلى ما يسمى بجبل الهيكل في الثامن والعشرين من شهر أيلول/سبتمبر من سنة 2000، أطلقت شرارة الانتفاضة الثانية التي غذتها خيبة الأمل التي شعر بها الفلسطينيون تجاه المسار السياسي العقيم، الذي تلا اتفاقات أوسلو الموقعة في سنة 1993.
وقد تطورت هذه التحركات إلى انقسام في الشارع الفلسطيني، بين مساند لحركة فتح ومساند لحركة حماس.
واعتبرت المجلة أن عباس، وعلى الرغم من كل المشاكل التي تلاحقه، يبقى صاحب اليد العليا اليوم في المشهد الفلسطيني، خاصة أن حركة حماس يتم تحييدها من خلال الحصار والتضييق الذي تتعرض له من قبل النظام المصري منذ الانقلاب، والأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها سكان قطاع غزة، والتدمير الممنهج الذي تعرض له القطاع خلال العدوان الإسرائيلي في صيف 2014.
وذكرت المجلة أن محمود عباس لم يكن له أي دور في اندلاع الانتفاضة الحالية، ولكنه ظل لوقت طويل يحذر من اندلاعها، لأنه لم يجد أي وسيلة أخرى للفت أنظار المجتمع الدولي، وأيضا لصرف الأنظار عن المشاكل التي تنخر جسد سلطته، إذ يواجه عباس تململا كبيرا داخل السلطة وفي الأوساط الشعبية، بسبب كثرة الاتهامات الموجهة له بعدم حل المشاكل اليومية، الاقتصادية والسياسية، التي يعاني منها الفلسطينيون وتقاعسه في محاربة الفساد الذي وصل إلى أعلى هرم السلطة.
وأكدت المجلة أن عباس لا يساند الشباب المتحمس الذي يرمي الحجارة على جنود الاحتلال وعرباته المصفحة، ولكنه في الوقت نفسه يتجنب إدانة تصرفات هؤلاء الشبان بشكل مباشر، حتى لا يزيد حجم الغضب الشعبي ضده، حيث أنه يركز اهتمامه هذه الأيام على تخفيف الضغط على نفسه والحد من الانتقادات الموجهة إليه.
ولاحظت المجلة أن هذه الانتفاضة تأتي في سياق تواجه فيه السلطة الفلسطينية اتهامات متزايدة بالتورط في الفساد المالي وسوء التصرف في المساعدات الدولية، حيث قامت الحكومة الفينزويلية في سنة 2014 بتخصيص منحة جامعية لألف طالب فلسطيني لدراسة الطب في فنزويلا، ولكن هذا المبلغ تبخر بين يدي وزير التعليم ووزير الشؤون الخارجية والسفارة الفلسطينية في فنزويلا، ولم يتم إرسال سوى عدد قليل من الطلبة، الذين تبين فيما بعد أنهم استفادوا من هذه المنحة ليس بفضل مؤهلاتهم الدراسية، بل كمكافأة على نشاطهم السياسي في حركة فتح.
وأضافت المجلة أن دراسات معمقة أجريت حول حجم هذا الفساد، بينت أنه يتسبب في إهدار حوالي 40 بالمائة من ميزانية السلطة الفلسطينية، كما بينت أن القطاع العمومي في الضفة يوزع مرتبات على شخصيات وهمية، بينما تودع المبالغ في الحقيقة في حسابات وزراء وقيادات عليا في السلطة.
كما كانت السلطة قد رصدت مبلغ 6 ملايين دولار تحت ذريعة إنشاء شركة إيطالية فلسطينية لصنع الأنابيب البلاستيكية، ولكن هذه الشركة ظلت موجودة فقط على الورق.
وذكرت المجلة أن محمود عباس استغل ورقة مكافحة الفساد المالي لتصفية حساباته الشخصية مع خصومهم والتخلص منهم، كما نجح تحت هذه الذريعة في مهاجمة الرجل القوي في حركة فتح، محمد دحلان، الذي كان يبحث عن الانقلاب على عباس، من خلال مخططات كان يعد لها من منفاه في أبوظبي.
وذكرت المجلة أن هذه الاتهامات بالفساد وتصفية الحسابات داخل السلطة أدت إلى تراجع شعبيتها بشكل كبير، حيث أظهرت استطلاعات للرأي أجريت مؤخرا أن نصف الفلسطينيين يعتبرون أن المشكل الأكبر حاليا هو فساد السلطة وليس الاحتلال الإسرائيلي.