نشرت مجلة "نيويوركر" تقريرا للبرفيسور رشيد الخالدي، تحدث فيه عن فشل
أوسلو الذريع.
ويقول الكاتب: "إن محمود
عباس أعلن أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة الشهر الماضي فشل جهود إقامة دولة
فلسطينية من خلال عملية أوسلو على مدى العشرين سنة الماضية، ولكن هذا الإعلان جاء متأخرا جدا، فاتفاقية أوسلو الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل بوساطة أمريكية، شكلت كارثة بالنسبة للفلسطينيين، ومنحة بالنسبة لمن يريدون إبقاء الاحتلال
الإسرائيلي، الذي شارف على النصف قرن للضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية. ويمكن رؤية ثمار أوسلو المرة من خلال التصعيد الحالي في العنف ضد الفلسطينيين والمستوطنين في الأراضي المحتلة".
ويرى الخالدي أن "أوسلو لم تكن مصممة للتوصل إلى دولة فلسطينية أو تقرير مصير، بحسب ما اعتقدت قيادات منظمة التحرير الفلسطينية على ما يبدو. فقد أرادتها إسرائيل أداة لتسهيل الاحتلال، بحيث تكون
السلطة الفلسطينية موظفة لديها. ففي اتفاقية أوسلو وما تبعها من اتفاقات حرصت إسرائيل ألا تكون هناك بنود قد تؤدي إلى قيام دولة فلسطينية ذات سيادة حقيقية. ولا يوجد في نصوص المعاهدة أي إشارة للدولة الفلسطينية أو تقرير المصير، ولم تمنح للفلسطينيين السلطة على الأراضي المحتلة جميعها. وكان هدف إسرائيل واضحا في توسيع المستوطنات اليهودية غير الشرعية في المناطق المحتلة، التي تبعت بدايات عملية أوسلو، حيث كان هناك أقل من 200 ألف مستوطن في الضفة الغربية والقدس الشرقية، ووصل عددهم اليوم إلى 650 ألف، بحسب صحيفة (التايمز)".
واعتبر الخالدي أن "قيادة منظمة التحرير الفلسطينية فشلت في الاستفادة من خبرات المفاوضين، التي تجمعت في مفاوضات مدريد وواشنطن في السنتين اللتين سبقتا أوسلو، وأرسلت بدلا منهم فريق مفاوضات يفتقر إلى الخبرة في المفاوضات، ويفتقر إلى معرفة الأوضاع في الأراضي المحتلة، أو معرفة القانون الدولي. وكانت النتيجة أن عززت الاتفاقية اختلال التوازن السياسي بين إسرائيل، وهي القوة النووية غير المعلنة، التي تدعمها القوة العظمى الوحيدة، والفلسطينيين الذين هم شعب بلا جنسية يعيش تحت الاحتلال أو في المنفى. وعن طريق الضغط الأمريكي لصالحها استطاعت إسرائيل أن تفرض إرادتها، ورسخت نظام أبارتيد يعيش فيه ملايين الفلسطينيين تحت الحكم العسكري دون حقوق أو أمن، بينما تقوم إسرائيل بتجريدهم من أراضيهم ومائهم ومواردهم. والشيء الوحيد الذي تم تطبيقه من أوسلو في الواقع هو الحماية التي تقدمها السلطة لإسرائيل عن طريق ملاحقة شعبها".
ويشير الكاتب في تقريره، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن "عباس، الذي كان أحد مهندسي أوسلو، قال في خطابه في الأمم المتحدة بأنه لن يلتزم ببنود أوسلو، إلا إذا توقفت إسرائيل عن الضرب بها بعرض الحائط. وهذا التهديد لا يعني شيئا ما لم يتم تطبيقه واقعا كحل السلطة، أو التوقف عن التعاون بين شرطة السلطة وجيش الاحتلال الإسرائيلي. ولا توجد إشارة إلى أن أيا من هذا سيحدث قريبا".
ويمضي الباحث الفلسطيني الذي يحاضر في جامعة كولومبيا قائلا: "لقد تجاوزنا الوقت بزمن طويل لإنهاء مهزلة عملية سلام لا نهاية لها، ولا تزيد الفلسطينيين إلا معاناة. وما نحتاجه بدلا منها هو نموذج جديد تماما، نموذج مبني على احترام القانون الدولي وحقوق الإنسان والمساواة للشعبين. وكما فعلت إدارة أوباما في موضوعي كوبا وصفقة النووي الإيراني، حيث أن اتباع مقاربة أكثر عدلا تجاه قضية طويلة ومستعصية يؤدي إلى نتائج. ويجب فعل الشيء ذاته بالنسبة لسياسة الولايات المتحدة تجاه إسرائيل وفلسطين".
ويستدرك الكاتب بأنه "بالرغم من الضغوط التي سيقوم بها اللوبي الإسرائيلي بالتأكيد حتى لا يتغير الوضع الراهن. فإن الشعب الأمريكي تجاوز عهد خوف السياسيين من هذه الضغوط. فهناك عدد متزايد منهم، خاصة الشباب والملونين والتقدميين، يعارض الدعم غير المشروط لإسرائيل. ففي استطلاع أجراه البروفيسور شبلي التلحمي في جامعة مريلاند وجد أن 39% من الأمريكيين يؤيدون فرض عقوبات أو اتخاذ إجراءات جادة تجاه إسرائيل؛ لرفضها التوقف عن بناء المستوطنات. وبحسب استطلاع لـ(غالوب) في شهر شباط/ فبراير، فإن نسبة الـ 62% من الأمريكيين الذين عادة ما يختارون تأييد إسرائيل بدلا من فلسطين، قد تراجعت بين الديمقراطيين بعشر نقاط منذ عام 2014، ويجب على مسؤولي الحزب الكبار أن يعوا هذا التغير جيدا".
ويعلق الخالدي قائلا إن "الولايات المتحدة والمجتمع الدولي هم من يسلحون ويمولون ويدعمون دبلوماسيا النظام العسكري الذي تفرضه إسرائيل على الفلسطينيين. ويجب أن يتوقف هذا الدعم الخارجي، الذي لا يمكن للاحتلال الإسرائيلي ونظام المستوطنات أن يستمر دونه لتحقيق سلام دائم. فبدلا من إرسال المزيد من المساعدات العسكرية لإسرائيل (فما تتلقاه إسرائيل من الدعم العسكري هو أرقام فلكية، حيث ترصد لها ثلاثة مليارات دولار في السنة، ووعد أوباما بالمزيد كترضية؛ بسبب الاتفاق النووي الإيراني الذي عارضه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشدة)، يجب أن تكون المساعدات الأمريكية مشروطة باحترام إسرائيل للقانون المحلي والقانون الدولي. وهذا ما دعت إليه رسالة لوزارة الخارجية من النائب الديمقراطية عن مينيسوتا بيتي ماكولام".
ويخلص الكاتب إلى القول: "لقد آن الأوان للسياسيين الأمريكيين وواضعي السياسات للتوقف عن الاختباء خلف أحلام أوسلو. إذا كانوا يريدون تجنب المزيد من المشكلات، فإن عليهم التخلي عن استراتيجيات مفلسة وتفاهات لا معنى لها، والعمل بنشاط لإنهاء الاحتلال العسكري والاستعمار الذي كان سيتداعى دون دعمهم".