يتعرض
الإعلام الإخواني لحملة قاسية وطعنات متتالية من أطراف متعددة، بدءا من أعضاء بالتنظيم نفسه وانتهاء بخصومه، كما أن قائمة المنتقدين تتسع لتشمل أشخاصا عملوا في الإعلام الإخواني ثم خرجوا أو أخرجوا منه، أو أشخاصا انتظموا في عضوية الجماعة ثم خرجوا أو أخرجوا منها أيضا، ولا يخلو الأمر من خبراء ومراقبين مستقلين، وتتركز تلك الطعنات التي تأتي من داخل التنظيم أو المتعاطفين معه في أن الإعلام الإخواني ضعيف لم يحسن التعبير عن الثورة المصرية ولم يحسن الدفاع عن الرئيس مرسي وحكمه، ولم يستطع مواجهة الثورة المضادة، كما أن هذا الإعلام لم يستطع جذب جمهور جديد وظل يخاطب فقط جمهوره الإخواني والجمهور المحيط به، بينما تتركز الانتقادات التي تأتي من المعارضين في أن هذا الإعلام يدعو للعنف ويحرض على القتل، ويبث الفتن، وينشر الوهم وبالمحصلة فإنه لا يتمتع بأي مهنية.
بالتأكيد هناك انتقادات موضوعية تتعلق بضعف المستوى، ومحدودية الانتشار، لكن في المقابل هناك أيضا تحامل واضح من البعض يبيح لنفسه الكذب والتلفيق لطعن هذا الإعلام، وبين هذا وذاك هناك مساحات اختلط فيها الخطأ بالصواب، وحسن القصد بسوء التنفيذ إلخ.
ولتحرير المسألة أولا لا بد أن نذكر أن المنظومة الإعلامية الإخوانية في أكثر الفترات انفتاحا بعد ثورة 25 يناير تمثلت في قناة
مصر 25 وجريدة الحرية والعدالة اليومية وموقع إخوان أون لاين وبعض المواقع الإلكترونية الأخرى وعلى رأسها شبكة رصد التي لاتتبع التنظيم لكن بعض مؤسسيها ينتمون له، وقد تقلصت هذه المنابر الإعلامية بعد الانقلاب بإغلاق جريدة الحرية والعدالة، وإغلاق قناة مصر 25 التي حل محلها حتى أسابيع ماضية قناة مصر الآن قبل أن تغلق أيضا، كما أن الجماعة هي التي بادرت بتحويل موقع إخوان أون لاين من موقع خبري إلى موقع رسمي لا ينشر سوى البيانات الرسمية للجماعة ومتحدثها الإعلامي، أما بقية القنوات والمواقع فهي لا تتبع الإخوان وإن كانت تتفق في بعض سياساتها مع ما يطرحون مثل"الثورة" و"الشرق"وموقع جريدة الشعب الجديد التابع لحزب الاستقلال.
لا ينكر أحد ضعف المنابر الاعلامية الإخوانية مقارنة بمثيلاتها في الإعلام المملوك للقوى الليبرالية واليسارية، ولهذا الأمر أسبابه التي يتحمل الإخوان جزءا منها، لكن الجزء الأكبر في الواقع كان خارجا عن إرادتهم، أما مسؤولية الإخوان فهي في عدم إعطاء الإعلام أولوية في خططهم ومشروعاتهم وتمويلاتهم، ورغم أن الجماعة امتلكت مبكرا في أربعينيات القرن الماضي صحفا أسبوعية وحتى يومية (جريدة الإخوان المسلمين اليومية) إلا أنها اكتفت في مرحلة نهوضها الثاني منتصف السبعينيات بمجرد مجلة شهرية (الدعوة) والتي كانت أيضا مجرد امتداد لترخيص سابق صدر قبل انقلاب 23 يوليو 1952 وظل صاحبه على قيد الحياة (صالح عشماوي) وتمكن من إعادة تفعيله حتى تم وقف الترخيص في قرارات سبتمبر 1981، ولم تسع الجماعة لتنويع وسائلها الإعلامية حين أصبح ذلك متاحا، كما أنها حرصت على احتكار التنظيم لوسائل الإعلام وإدارته بدلا من حفز رجال أعمال منتمين أو مقربين من الجماعة لإنشاء وسائل اعلام وإدارتها بطريقة تجارية مهنية بعيدا عن قيود التنظيم، أما الأسباب الخارجة عن إرادة الإخوان فتمثلت في الفيتو الحكومي الدائم على إنشاء مؤسسات إعلامية إخوانية (صحفا أو قنوات) حتى
ثورة يناير، ومنع المنتسبين للجماعة من العمل في وسائل الإعلام القومية من الستينيات وحتى التسعينيات وهو ما حرم الجماعة من تكوين كوادر إعلامية مبكرا على عكس القوى الليبرالية واليسارية التي كانت منتشرة في كل وسائل الإعلام دون مشاكل تذكر، والتي كان مسموحا لها إصدار الصحف وتاليا إطلاق القنوات الفضائية كما أنها تمتلك التمويلات اللازمة لإنشاء قنوات كبرى، وهذه التمويلات ليست بالضرورة من خالص أموال رجال أعمال ينتمون لهذه القوى لكن جزءا كبيرا منها جاء من دول خليجية وأجهزة مخابرات أجنبية بهدف التأثير على الداخل المصري وهو ما حدث فعلا.
يخلط البعض في نقدهم للإعلام الإخواني عمدا أو جهلا بين المنابر الإخوانية وتلك المناهضة للانقلاب بشكل عام ليضع الجميع في سلة واحدة يجعلها في مرمى نيرانه، والحقيقة أن نظام
السيسي بذل جهدا كبيرا في شيطنة جماعة الإخوان المسلمين، وأصبح من السهل عليه أن يتهم أي معارض له أو أي وسيلة إعلامية مناهضة بالتبعية للإخوان، حتى وصلت به حالة الهوس هذه إلى إتهام صحف ومجلات غربية كبرى بالتبعية لتنظيم الاخوان مثل نيويورك تايمز وواشنطن بوست والجارديان وحتى (السي إن إن).
لابد للنقد أن يقوم على أسس موضوعية، وليس مجرد انطباعات عاطفية، أو تصفية خلافات وحسابات سياسية، كما أن تقييم نجاح أو فشل الإعلام الإخواني ينبغي أن يتم وفقا لمجمل الأهداف التي تغياها، أو التي يفترض به تحقيقها، وعلى رأس هذه الأهداف فعلا الدفاع عن الثورة المصرية، ومكتسباتها، ومقاومة الثورة المضادة، والانقلاب العسكري الغاشم، وتثبيت صفوف الثوار على الأرض ونقل فعالياتهم، وإيصال صوتهم للعالم، وأيضا مواجهة حملات التشوية للجماعة ولتاريخها ودورها ورموزها، ومع الإقرار الكامل أن الإعلام الإخواني تعثر في تحقيق هذه الأهداف، بسبب ضعف إمكانياته المالية والبشرية ولم يستطع استقطاب جمهور جديد، ولم يستطع بشكل كاف مواجهة عمليات تشويه الثورة وحتى الجماعة، وعمليات غسيل المخ الواسعة لفئات كبيرة من الشعب التي قادتها الأذرع الإعلامية للسيسي، إلا أن من الإنصاف أيضا أن نذكر نجاحات حققها هذا الإعلام رغم قلة الإمكانات، من ذلك دعمه للحراك الميداني المقاوم للانقلاب، وهو ما ساهم في صمود هذا الحراك لأكثر من عامين ومن ذلك أيضا توجيهه ضربات متتالية ظلت- على ضعفها - تربك سلطة الانقلاب على مدى هذين العامين، كما نجح هذا الإعلام في تثبيت صفة الانقلاب على 3 يوليو 2013، فلولا وجوده ومعه بقية الإعلام المساند للثورة لنجح الانقلابيون في تسويق مزاعمهم بأن ما قاموا به هو ثورة شعبية لم يعارضها أحد، كما أن الإعلام الإخواني ومعه بقية الإعلام المساند أسقط هيبة رئيس الانقلاب الذي وضعه أنصاره في منزلة النبيين والقديسين، فصار معروفا بأوصاف هزلية لا تذكر حتى يستحضر معها قائد الانقلاب، وساهم الإعلام الإخواني أيضا في تحفيز بعض المنابر والأصوات الإعلامية المتحفظة والخائفة على الصدع بنقدها لقائد الانقلاب بعد صمت طويل خوفا وحذرا، وكشف الإعلام الإخواني الكثير من الأوهام التي أراد السيسي تسويقها للشعب المصري، مثل مشاريع تفريعة القناة، والمليون وحدة، وجهاز الفنكوش الطبي، وملايين الفدادين الزراعية، وأوهام المؤتمر الاقتصادي، وكان الإعلام الإخواني صاحب السبق في نشر تسريبات السيسي قبل أن يترشح للرئاسة وبعدها وعنه نقلت قنوات ومواقع أخرى، ونجح الإعلام الإخواني ومعه بقية الإعلام الثوري في رفع صوت الثوار دوليا، وهنا لا أتحدث عن بعض القنوات التي تبث من تركيا، فهناك جهد إعلامي كبير قام به الإخوان في أوربا وأمريكا والعديد من العواصم أيضا مكن ووسائل الإعلام في تلك الدول أن ترى حقيقة الأوضاع في مصر، وتمكن هذا الجهد من تفنيد الدعايات الكاذبة التي حاولت أذرع السيسي الخارجية ترويجها مدعومة بالأموال الخليجية، وأصبح قائد الانقلاب نفسه يقر بقصور أدائه الإعلامي في الخارج في مواجهة الصوت أو الإعلام الإخواني، الذي أصبح هدفا يطارده السيسي في المحافل الدولية ، ولولا تأثيره القوي ضده لما تجشم عناء هذه الملاحقة وتكاليفها المالية التي وصلت إلى حد عقد صفقات بالمليارات ليكون جزءا منها وقف بث القنوات الإخوانية.
وإذا كان الإعلام الإخواني يعاني ضعفا على مستوى المنابر التقليدية ( قنوات-صحف) فإن حاله أفضل على مستوى شبكات التواصل الاجتماعي لدرجة أزعجت سلطات الانقلاب ودفعتها لتخصيص ميزانيات جديدة لإنشاء مواقع وتكوين لجان إلكترونية لمواجهة الإخوان على الشبكة الافتراضية، كما أن الإعلام الإخواني واكب مراحل صعود وهبوط الثورة وصمودها أيضا، فقد لايعلم الكثيرون أنه بمجرد اغلاق قناة الإخوان (قناة مصر 25 ضمن قنوات أخرى) يوم انقلاب الثالث من يولو 2013 ، لم يستسلم طاقمها لذلك، وشرع على الفور في تأسيس قناة جديدة من قلب ميدان رابعة، فتأسست قناة "أحرار25" من لا شيء في أيام معدودة، وحين اقتحم الأمن القناة واستولى على معداتها أثناء فض اعتصام رابعة، بادر 5 من كوادرها للسفر سريعا إلى بيروت حيث أطلقوا من هناك قناة الميدان، وحين ألقت السلطات اللبنانية القبض على مدير القناة مسعد البربري ورحلته إلى مصر بادرت بعض الكوادر أيضا إلى إطلاق قناة مصر الآن في تركيا لتصنع هذه الكوادر بذلك قصة صمود ومقاومة تستحق أن تروى، وبالمناسبة فإن هذا ما تكرر أيضا مع شبكة رصد التي لم تتوقف يوما رغم الانقلاب وتمكنت من نقل عملها خارج الوطن بعد مداهمة الأمن لمقرها وتشميعه داخل مصر، وما يجدر ذكره هنا أن العدد الأكبر من الصحفيين السجناء حاليا ينتمون للمنابر الإعلامية الإخوانية.
من المؤكد أن حق النقد مشروع بل مطلوب، ومن المؤكد أن الكثير من الانتقادات الموضوعية ضد الإعلام الإخواني صحيحة، ومن المؤكد أيضا أن الجهات المسؤولة عن الإعلام الإخواني تعاطت إيجابيا مع الكثير منها، وقامت بتصحيح بعض الأخطاء فعلا ولعل أحدث نموذج هو السعي لإطلاق قناة جديدة عبر شركة مساهمة غير تابعة للتنظيم بعد توقف قناة مصر الآن، ولكن تبقى الكثير من الأخطاء قائمة تحتاج إلى استدراك وتصحيح ويأتي في مقدمتها تغيير الرؤية العامة للإعلام لدى قيادة الجماعة، وتبني رجال أعمالها لمشروعات إعلامية كجزء من سلة استثماراتهم ( التي تحمل بعضها البعض ربحا وخسارة) على غرار رجال الأعمال الليبراليين، وإبعاد هيمنة التنظيم على العمل الإعلامي حتى يتمكن من المنافسة والتأثير، والالتزام بالمعايير المهنية والقدرة على الوصول إلى جمهور أوسع.