نشرت مجلة سلايت الناطقة بالفرنسية، مقالا حول الصراع الدائر في
سوريا، جاء فيه أن درجة تعقيد هذا الصراع والأبعاد التي أخذها تنبئ بحقبة جديدة في تاريخ العلاقات الدولية، وأن فهم ما يحدث في المنطقة لا يتم إلا عبر تنزيله في إطاره الديني والإقليمي والدولي.
وقال الكاتب، في هذا المقال الذي ترجمته "
عربي21"، إن الحرب في سوريا أصبحت رمزا لغموض وتعقيد المشهد الدولي، حيث إن هذه الحرب الأهلية تحولت إلى صراع إقليمي وتحد عالمي، وهي تمثل انعكاسا حقيقيا لما يعتبره الخبراء الدوليون تغيرا كبيرا في المشهد الدولي، وتشابكا غير مسبوق، وهو ما عبر عنه مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق، زبيغنيو بريجينسكي، بقوله إن "التحدي الأكبر الذي يواجهه العالم اليوم ليس التسلط والطغيان بل هو الفوضى".
واعتبر الكاتب أن النظام العالمي ثنائي القطبية الذي ميز فترة الحرب الباردة؛ لم يعد قائما اليوم، كما أن النظام الذي ظهر إثر انهيار المعسكر الشيوعي أيضا في حالة تفكك واضمحلال، ولذلك فإنه لم تعد هناك مقاييس تقليدية وموحدة لتقييم الأحداث في المشهد الدولي، وهو ما عليه الحال في الأزمة السورية، حيث إن ظهور تنظيم الدولة والتدخل المباشر وغير المباشر من القوى الدولية والإقليمية؛ جعل الصراع عصيا على الفهم.
وأشار المقال إلى أنه رغم كل هذا التعقيد في الصراع السوري، فإنه يمكن محاولة فهمه من خلال ثلاثة مفاتيح أساسية؛ وهي كونه صراعا دينيا بين القطبين السني والشيعي، كما أنه صراع إقليمي لبسط النفوذ في المنطقة، وهو أيضا لعبة ليّ ذراع بين الغرب بقيادة الولايات المتحدة من جهة، وروسيا من جهة أخرى.
وذكر المقال أن التفسير الديني للصراع يبقى هو الأبرز والأقرب للأذهان، فعلى غرار الصراعات التي حدثت في أواخر القرن العشرين، تبدو الدوافع الدينية واضحة، وهو ما يذكرنا بالصراع بين الكاثوليك والبروتستانت في إيرلندا الشمالية، وفي الحرب الأهلية في يوغسلافيا بين المسيحيين والمسلمين.
وفي سوريا، يسعى شيعة
إيران والعراق، وتنظيم حزب الله الشيعي اللبناني، بالإضافة إلى العلويين في سوريا، إلى بسط نفوذهم على أكبر منطقة ممكنة ومواجهة خصمهم السني.
وأضاف الكاتب أن التصنيف السني الشيعي لوحده غير كاف، حيث إن السنة بدورهم منقسمون، إذ اعتبر الكاتب أن دولا مثل المملكة العربية
السعودية ساهمت في إنشاء تنظيم الدولة، وهي تواصل تمويل مجموعات أخرى مثل جبهة النصرة، وبعض المجموعات السلفية مثل أحرار الشام والجبهة الإسلامية، ولكن هذه المجموعات أصبحت الآن تحارب ضد تنظيم الدولة. كما أن الأكراد الذين ينتمون أيضا إلى الطائفة السنية يحاربون في الصفوف الأولى ضد هذا التنظيم.
وأشار إلى أن البعد الديني للصراع يتجلى أيضا من خلال قيام بطريرك الكنيسة الروسية بدعم التدخل الروسي إلى جانب إيران وبشار الأسد، واعتبار أن بلاده تخوض حربا مقدسة.
ورأى الكاتب أن وراء هذا الصراع الشيعي السني تختبئ أيضا حسابات إقليمية أخرى بين ثلاث قوى في الشرق الأوسط، وهي إيران وتركيا والسعودية، حيث تسعى إيران بعد سنوات من العزلة إلى استثمار الاتفاق النووي الذي وقعته مع الدول الكبرى، للخروج من عزلتها، والاعتماد على المليشيات الشيعية لتحقيق مكاسب إقليمية والظهور كلاعب رئيسي في المنطقة.
يذكر أن السعودية بدورها لطالما كانت تناصب العداء لإيران، ليس فقط بسبب الخلافات المذهبية بينهما، بل أيضا بسبب التنافس على الهيمنة على المنطقة، إذ لطالما كان السعوديون حلفاء للولايات المتحدة والغرب في المنطقة، حتى عندما تزايدت الخلافات بين الجانبين مع اندلاع الربيع العربي، بحسب الكاتب.
ورغم المشكلات الداخلية التي شهدتها السعودية بسبب انتقال السلطة والصراعات الداخلية التي تعاني منها، سعت المملكة إلى فرض هيمنتها من خلال التدخل العسكري المباشر في الجار اليمني، ومن خلال دعم مجموعات مسلحة في سوريا، منها ما يوصف بالتشدد مثل تنظيم الدولة، كما يقول الكاتب.
وأشار المقال في سياق الحديث عن الصراع الإقليمي، إلى الدور الذي تسعى تركيا للعبه في المنطقة، بعد أن نجح الرئيس رجب طيب أردوغان ووزير خارجيته، الذي أصبح فيما بعد رئيسا للوزراء، أحمد داوود أوغلو، في وضع نظرية دبلوماسية "ما بعد العهد العثماني"، التي تكون فيها تركيا مركز ثقل في المنطقة كما كان الحال في السابق.
ونجحت تركيا من خلال هذه السياسة في تحقيق سياسة "صفر صراعات مع جيرانها"، ورغم أن الخلافات بلغت أوجها بينها وبين بعض دول المنطقة، لا تزال تركيا تحافظ على هذه السياسة التي حققت لها مكاسب اقتصادية ودبلوماسية كبيرة.
وأضاف الكاتب أن تركيا التي كانت في مرحلة أولى قريبة من بشار الأسد وحاولت القيام بدور الوساطة في سنة 2011 لمنع تفاقم الأزمة السورية، قررت فيما بعد الوقوف إلى جانب الثورة السورية ضد هذا النظام الذي رفض الإنصات لشعبه.
وقال إن المفتاح الثالث لفهم هذا الصراع المعقد هو اعتباره امتدادا للحرب الباردة بين الولايات المتحدة وروسيا، حيث قامت الولايات المتحدة وحلفاؤها العرب بالتدخل في مرحلة أولى، ثم أقدمت موسكو من جهتها على التدخل لنجدة بشار الأسد ومساندة الجهود الإيرانية، وهو ما يعيد إلى الأذهان الصراع الكلاسيكي بين الشرق والغرب إبان فترة الحرب الباردة.
ولاحظ الكاتب أنه على غرار تلك الفترة، فإن المعسكريين يتفاديان المواجهة المباشرة، ويفضلان القيام بتحركات تكتيكية وممارسة الحروب بالوكالة، كما هو الحال في أوكرانيا، التي رفض الغرب فيها الدخول في مواجهة مباشرة مع
روسيا، وفضل إمداد الحكومة الأكرانية بالأسلحة والمستشارين.
وفي الختام، اعتبر الكاتب أن الوقت ما زال مبكرا لإصدار التوقعات بشأن مصير هذا الصراع، ولكنه حذر من أن روسيا التي أرسلت عددا كبيرا من مستشاريها وجنودها إلى سوريا، تواجه خطر الغرق في المستنقع السوري، على غرار ما حدث للاتحاد السوفيتي في أفغانستان. ولكن في الوقت الحاضر على الأقل، نجح الرئيس الروسي فلاديمير بوتن في فرض نفسه محاورا أساسيا في هذا الصراع، بعد أن ظل خلال الفترة الماضية مقصيا من المشهد الدولي، على خلفية قيامه بضم شبه جزيرة القرم ودخوله في الصراع الأوكراني.