لم يكن يعلم أحمد عندما خرج من غوطة دمشق الغربية متجها إلى تركيا أنه سيبقى لمدة شهر في الطريق، ويمر على مختلف مناطق السيطرة في الخارطة السورية ابتداء بأراضي الثوار في غوطة دمشق الغربية مرورا بمناطق سيطرة
النظام السوري، ومن ثم مناطق سيطرة تنظيم الدولة، ليعود بعدها إلى مناطق سيطرة الثوار في الشمال السوري.
يروي أحمد في حديث خاص لـ"
عربي21" عن رحلته الطويلة، وما واجه فيها من عقبات ومخاطر قائلا: "بدأتُ الرحلة من مدينة الكسوة مع سائق سيارة تابع لمليشيات الدفاع الوطني، ومقرب من عناصر الحواجز العسكرية على الطريق باتجاه درعا مقابل مبلغ مادي كبير نسبيا، لأنني من المطلوبين للنظام السوري، استطاع السائق المرور على حاجزين فقط وطلب مني ومن معي النزول عند باقي الحواجز من السيارة وعبور المنطقة مشيا على الأقدام مع شخص آخر دون المرور على الحاجز لنركب معه من جديد بعد ذلك، وصلنا إلى منطقة اللجاة في محافظة درعا بعد تنسيق مع شخص من أهل المنطقة، والذين يعرفون الطريق فهم يساعدون العابرين مقابل مبالغ مادية. لنذهب معهم باتجاه استراد السويداء والذي يعتبر اجتيازه خطر كبير لأن قوات النظام السوري وآلياته تتمركز على الطريق لمنع اجتيازه دون المرور على حواجز التفتيش".
ويضيف: "مشينا مسافة تعادل ثمانية كيلومترات تقريبا من ضمنها استراد السويداء، وكانت هذه المرحلة من المراحل الخطيرة جدا والمتعبة، ففيها مسافات طويلة يتوجب علينا الركض بسرعة ودون إصدار أي صوت أو إشارة لأنه في حال اكتشاف أمرنا من قبل الحواجز المحيطة فسوف تتعرض المنطقة لقصف عنيف يودي بنا جميعا".
ويشير أحمد إلى أن المرحلة الأهم من رحلته هي مروره بالمناطق الخاضعة لسيطرة
تنظيم الدولة الاسلامية، مضيفا: "وصلنا إلى منطقة (رجم البقر) في محافظة السويداء والتي تعتبر أولى المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة وله نقاط انتشار فيها، توقفنا عند نقطة من نقاط التنظيم والتي يمر فيها كل من يسلك هذا الطريق باتجاه الشمال، وفي صباح اليوم التالي جاءت سيارة فيها اثنين من مسؤولي التنظيم سألونا عدة أسئلة بعدها ركبنا سيارات بيك أب يقودها موظفون عند التنظيم مقابل مبلغ 7000 ليرة سورية لتبدأ الرحلة في الصحراء باتجاه الميادين في دير الزور؛ حيث استمرت الرحلة 18 ساعة متواصلة في ظروف صعبة جدا".
ويتابع قائلا: "كنا نركب في الصندوق الخلفي لسيارات مكشوفة في الصحراء والغبار يملأ المكان ولا يوجد على الطريق نقاط استراحة ولم نجهز أنفسنا لقطع مثل هذه المسافة، فلا طعام معنا ولا ماء، واجتياز الصحراء بمثل هذه السيارات كفيل باستهدافك من قبل غارات التحالف التي تستهدف التنظيم بين الحين والاخر، لنصل بعد ذلك إلى الميادين في دير الزور وأخذنا عناصر التنظيم إلى سجن الحسبة الذي يمر عليه كل العابرين من أراضي التنظيم".
ويتوقف أحمد عن الحديث قليلا ليعود بذاكرته إلى سجن الحسبة في الميادين والذي قضى فيه 13 يوما وخرج منه بعد ذلك، ثم يعود ليدخن سيجارة جديدة متابعا حديثه عن الحياة في ظل تنظيم الدولة، فهو تنقل بين الرقة ودير الزور ليطلع على تفاصيل حياة الناس قبل خروجه إلى إدلب، ومنها إلى تركيا، فيقول: "كل شيء متوفر في مناطق التنظيم والحركة التجارية قوية جدا، وهذا واضح من حركة الشاحنات الكبيرة والتي تنقل البضائع بين مناطق التنظيم والمناطق المحيطة به، ناهيك عن حركة البناء الواسعة والتي تستوعب الكثير من الأيادي العاملة مما يفسر قدرة الكثير من الناس على الحياة والعمل في هذه المناطق رغم تعرضها للقصف اليومي من قبل التحالف ولكن الأهداف غالبا ما تكون دقيقة وتستهدف مواقع عسكرية للتنظيم".
يشار إلى أن المرور عبر مناطق سيطرة تنظيم الدولة أصبح شرطا للانتقال من المحافظات الجنوبية في
سوريا إلى شمالها، ولكن هذا الأمر خطر جدا بالنسبة للمنتمين لمعظم الفصائل المقاتلة في سوريا وقد يهدد حياتهم في حال تم اكتشاف أمرهم من قبل التنظيم.