أودعكم إنسانا بسيطا ونهجا مجتهدا تلملم الدروب، وتنثر دمك من أجل
فلسطين، يختلف معك خصومك ويتفقون على احترامك، وهم يرون دمك طلقة في عنق رابين، فقد كان اسمك ورسمك استثنائيا بين الجموع، وليس ثانويا معطوفا على الآخرين.
وداعا أبو إبراهيم ممن لم يراك، لكنه نظر إليك وأنت تمشي مثل نبيك في الأسواق تشتري البن الدمشقي من أجل قهوة المساء، والبطاطا لرغيف العيال، في أسواق دمشق لا يعرفك الناس، لكنهم يرونك فيهم ومنهم بسيطا دون حارس، وفي سوق الخرطوم تركب دراجة نارية خلف شقيقك بكر، وتقف في طابور الغلابى من أجل قمح العشاء، وبعد صعودك لم تبق خلفك إلا دنانير معدودة ومكتبة كبيرة، دون أن نرى في أهلك بذخا ولا ظلما وتنطعا.
وداعا ودمك ينزف في قبرص التي أصبحت ممر تجارتنا الموعودة مقابل بلع الكفاح، وداعا وأنت تسبق كل المطلوبين نحو رصاصات الغدر، اخترت الشهادة قبل أن يسلموك للرصاص الإسرائيلي وشاية وغدرا، ترتل حافيا بين الألغام "الأجل حارس العمر"، وأنت تدرك أن أحفاد ضحايا بدر طبخوا لك السم، رغم ذلك تمضي بحبك نحو فلسطين مع خليل الوزير وأبو علي مصطفى، المبحوح ومغنية، وسيفك في بيت ليد يعلو على هامات الجنود كفارس، فيما يكتفي الآخرون بالضجيج والتنقل بين أجنحة الفنادق، وحسابات العواصم يروضون الناس بخبزهم وقوت العيال.
وداعا وأنت تجتهد بين الأفكار كل يوم بحثا عن فلسطين، لا تفرق بين الخميني ومانديلا وغاندي في طريق الحرية، وفيك أنفاس عبد الناصر وغضب سيد قطب، لا أعرف سيدي كيف جمعت بين التناقض وأنت تبحث عن معالم الطريق ونصر تشرين.
وداعا بطعم الملح ولون الجرح وأنت تحاول السير بين أحلام القوميين ومحاولات الإسلاميين خلف خطوات الوطنيين، ومن بينهم تعلن عز الدين القسام نهجا ودربا يجمع بين يعبد ورفح الأقرب إلى قلبك من طهران والقاهرة وكل العواصم التي زرتها بجواز سفر سري من أجل القدس.
وداعا وقد منحتك البدلة المتواضعة، ورداء الصوف، ونبرة الصدق في صوتك، وحقيبتك الجلدية، ونظارتك القديمة، والقبر الشاهق في اليرموك، العفو من كل من اختلفوا معك، والحب الذي لن يموت في قلوب من آمنوا بك مجتهدا من أجل فلسطين، ومقاتلا من أجل الحرية، وأنت الفارق بين التهديد بالقتل وإراقة الدم في الطريق.