دعا صحفيون أردنيون لاجتماع طارئ الأربعاء المقبل في مقر نقابة الصحفيين، عقب صدور قرار لديوان تفسير القوانين (جهة حكومية) يجيز حبس الصحفيين ورواد شبكات التواصل الاجتماعي استنادا للمادة 11 من قانون
الجرائم الإلكترونية.
وأخرج المُفسر الأردني للقانون بهذا القرار المواقع الإلكترونية من مظلة
قانون المطبوعات والنشر الذي عدلته الحكومة عام 2012، وأجبرت المواقع الإلكترونية الإخبارية على الترخيص بموجبه، حيث نص القانون بشكل واضح على "عدم جواز التوقيف نتيجة إبداء الرأي بالقول والكتابة وغيرها من وسائل التعبير، وخلا من العقوبات السالبة للحرية".
وبناء على التفسير الجديد الذي جاء بطلب مباشر من رئيس الحكومة الأردنية، عبد الله النسور، ستعامل قضايا النشر على المواقع وشبكات التواصل الاجتماعي على اعتبار أنها "جريمة"، تحال إلى المحاكم الجزائية في حال تقديم شكوى بحق الكاتب أو الناشر أو المعلق، على حد سواء.
واعتبرت تنسيقية المواقع الإخبارية الأردنية القرار الحكومي "تطورا خطيرا يقوض حرية الرأي والتعبير"، مشيرين إلى أن ذلك القرار من شأنه إعادة القيود على
حرية الصحافة، كما كان الحال قبل عام 1989، إبان فترة الأحكام العرفية".
من جهته، قال عضو التنسيقية الصحفي باسل العكور لـ"
عربي21" إن "تعطيل الحكومة لنصوص قانون المطبوعات والنشر من خلال نصوص أخرى هو استهداف للصحافة والصحفيين، الهدف منه تكميم الأفواه وقمع الحريات، فلم تعد هناك أي ضمانات للحرية في الأردن".
وأوضح أن التفسير الجديد "يتيح للحكومة سجن أي صحفي يزعجها، كما أنه لا يسمح هذا القرار بالعمل الحرفي والمهني، بسبب إرباك وإرهاق الصحفيين، وفرض عقوبة مسبقة عليهم، وتوقيفهم دون وجود أسباب موجبة".
ولوّح العكور بسلسة إجراءات تصعيدية سيتم التباحث بها في اجتماع تنسيقية المواقع الإلكترونية، للتصدي للقرار الحكومي، الذي سيطال الصحفيين والأفراد على شبكات التواصل، مفسرا التوقيت الحكومي لصدور القرار "بترتيبات جديدة على مستوى الإقليم والتحالفات السياسية، وموقف الأردن من هذه التحالفات".
بدوره، يرى عضو نقابة الصحفيين الأردنيين، ركان السعايدة، أن توقيت القرار الحكومي يأتي "في وقت يعاني فيه الوسط الصحفي من غياب جسم حقيقي يدافع عن حقوقه".
وقال ل"
عربي21" إن "الدولة استغلت غياب هذا الجسم في ظل ارتباك الوسط الصحفي، نتيجة انشغاله بإشكاليات إدارية واقتصادية غيرت أولويات الصحفيين الذين قدموا قضاياهم المعيشية على قضايا الحق في التعبير، ما أثر على مواقفهم وتعاطيهم مع اعتقال الصحفيين، فلم نعد نلمس ردود فعل مثل الاعتصامات والاحتجاجات، وبات الصحفي يسجن دون رد فعل".
ويعتقد السعايدة بأن "هذا ساعد الدولة على أن تعيد النظر في الضمانات التي أعطتها للصحفيين والمواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي، بعدم وجود عقوبات سالبية للحرية في قضايا النشر، وهنا جاءت تفسيرات القوانين، وأخرجت المواقع الإخبارية من دائرة قانون المطبوعات والنشر، وشمولها بقوانين الجرائم الإلكترونية، للتعامل معها على أنها جريمة، وجاء التفسير ليعطي الحكومة الأردنية القوة والصلاحيات لفرض عقوبات على الصحفيين، وتبرير ذلك بأنها ليست قضايا نشر".
المشهد الإعلامي الأردني على صفيح ساخن
ويأتي قرار ديوان تفسير القوانين في وقت تشهد فيه حريات التعبير في الأردن "تراجعا"، بحسب نتائج تقارير حقوقية محلية ودولية.
وقامت السلطات الأردنية مؤخرا بسجن صحفيين وسياسيين في قضايا نشر على شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية تحت تهم "مطاطة"، مثل "تقويض نظام الحكم"، و"الإساءة لدولة شقيقة"، وغيرها من التهم، استنادا لقوانين "منع الإرهاب"، وقانون محكمة أمن الدولة، وقانون العقوبات، وغيرها.
وأظهرت نتائج تقرير حالة الحريات العامة في الأردن الذي صدر مؤخرا عن مركز حماية وحرية الصحفيين أن 83.7 في المئة من الإعلاميين يعتقدون بأن الحكومة تتدخل في الإعلام، بينما يرى 51.8 في المئة أن التشريعات قيدت الحريات العامة.
وبيّنت نتائج الاستطلاع أن المشهد الإعلامي الأردني "على صفيح ساخن"، فمن يعتقدون بأن الحكومة غير جادة في بناء إعلام حر بلغت نسبتهم 41.5 في المئة.
ولفت التقرير إلى أن 79.1 في المئة من الصحفيين الأردنيين تعرضوا للاحتواء، وأن الحكومة أكثر الجهات التي تمارس الاحتواء للصحفيين، وهو ما يبدد شعارات الحكومة بانها لا تتدخل في الإعلام.
من جانبه، قال الرئيس التنفيذي لمركز حماية وحرية الصحفيين، نضال منصور، لـ"
عربي21"، إن "الحكومة الأردنية أكدت سابقا أن القوانين خالية من العقوبات السالبة للحرية بالنسبة للصحفيين في قضايا النشر، لكن هذا الكلام غير دقيق".
معللا ذلك بقول إن المدعين العامين يستطيعون تكييف الدعوى بحق الصحفي بموجب أكثر من قانون يتضمن السجن، ومنها قانون العقوبات، ولاحقا قانون منع الإرهاب، والآن بدأوا بتحويل الصحفيين للسجن، بناء على قانون الجرائم الإلكترونية، ناهيك عن قوانين أخرى مثل قانون وثائق أسرار الدولة، وقانون محكمة أمن الدولة.
وتعليقا على قرار ديوان تفسير القوانين، يؤكد منصور أن "القرار أعطى صيغة قانونية وقضائية ليعطي الحق للمدعي العام بسجن الصحفيين، سواء من يكتب على شبكات التواصل الاجتماعي أو الصحفي المحترف، على الرغم من أن تعديل قانون المطبوعات في عام 2012 شمل المواقع الإلكترونية بمظلته، وأجبر المواقع الإخبارية على الترخيص وكأنها من المطبوعات".
وفي مطالعة قانونية، قالت وحدة المساعدة القانونية للإعلاميين "ميلاد"، التابعة لمركز حماية وحرية الصحفيين، إن قرار ديوان تفسير القوانين لم يراع أن المادة 42 من قانون المطبوعات والنشر قد نصت صراحة على القول: "على الرغم مما ورد في أي قانون آخر"، أي أنها حصرت محاكمة الصحفيين بقانون المطبوعات والنشر، وهو القانون الخاص.
وأكد مدير وحدة المساعدة القانونية للإعلاميين "ميلاد"، المحامي خالد خليفات، أن القرار يمثل قيدا جديدا، وتراجعا لحرية الرأي والتعبير في الأردن، مشيرا إلى أن "البلاد تسير إلى الخلف فيما يخص الحريات الإعلامية".
وحاولت "
عربي21" أخذ تصريح من الناطق باسم الحكومة الأردنية وزير الدولة لشؤون الإعلام، الدكتور محمد المومني، للتعليق على القرار، لكنه رفض.