في عهد الانقلاب بمصر؛ يبدو أن السرقة، أو النصب والاحتيال، أو قطع الطرق، أو القتل؛ لا تعرضك للسجن مثل ما يعرضك له كونك صحفيا، أو مصورا، أو حقوقيا، أو محاميا للدفاع عن المعارضين، فقد تكون هذه
المهن سببا في اعتقالك، وسجنك، وتعذيبك، وربما قتلك بدم بارد.
ومنذ الانقلاب العسكري على الرئيس محمد مرسي في 3 تموز/يوليو 2013؛ رصدت منظمات حقوقية محلية ودولية، مئات الحالات لعمليات سجن، واحتجاز، وتعذيب، وقتل خارج إطار القانون، لصحفيين ومراسلين ومحامين وحقوقين، في إطار "سياسة تكميم الأفواه، ومصادرة الرأي، وقمع الحريات".
من منصة المحاماة إلى السجن
يقول الأمين العام لنقابة المحامين، ورئيس اللجنة التشريعية بمجلس الشورى السابق، محمد طوسون، إن "مهنة المحاماة تعرض صاحبها للخطر، سواء كان طرفا في نزاع مع الأفراد، أو الدولة".
وأضاف لـ"
عربي21" أن "النظم الدكتاتورية تضع المحامي الذي يترافع في قضايا سياسية؛ في سلة واحدة مع المتهمين، وقد شهد القضاء الواقف حالات عديدة تمثلت في حبس محامين، واعتداء، وقتل"، مشيرا إلى "تعذيب المحامي الشاب كريم حمدي حتى الموت، في مركز شرطة المطرية بالقاهرة، على يد ضابطي شرطة، في نيسان/أبريل الماضي".
وتؤكد اللجنة الدولية للمحلفين، التي تتألف من قضاة من مختلف أنحاء العالم، أن لديها قائمة تضم أكثر من 200 محام
مصري "اعتقلوا وحوكموا"، فيما يقول محامون ونشطاء حقوقيون، إن نظام السيسي يعتقل المحامين "لترهيبهم من الدفاع عن معتقلي رأي، ومعارضين للنظام الانقلابي".
"الخيانة" تلاحق الحقوقيين
وتقترب مهنة "الحقوقي" كثيرا من نظيرتها "المحاماة"، حيث يتعرض الحقوقيون لكثير من المتاعب والملاحقات الأمنية، وفي هذا الإطار يؤكد مدير مركز هشام مبارك الحقوقي للقانون، مصطفى أبو الحسن، أن "الحقوقي يمارس مهنة الخيانة في نظر النظام".
وقال لـ"
عربي21" إن "الحقوقيين في خطر، ويتعرضون لانتهاكات شديدة، وتصفهم الحكومة بالخائنين والعملاء، وتجعل من تهمة التمويل الأجنبي سيفا مسلطا على رقابهم، لمنعهم من متابعة قضايا المعتقلين والمعذبين في سجونها".
وأكد أن الحقوقيين "يتعرضون للتعذيب والاعتقال التعسفي، والقتل بدم بارد"، مشيرا إلى اعتقال سلطة الانقلاب "عددا من الحقوقيين المدافعين عن السجناء السياسيين، وتلفيق تهم لهم، وتقديمهم للمحاكمات".
ولفت إلى أن هناك محاولات مستمرة لاغتيال الحقوقيين معنويا، "بملاحقة المراكز الحقوقية وإغلاقها، بسبب تعرضها لانتهاكات النظام، سواء بحق المعارضين، أو المواطنين العاديين، ورصد هذه الانتهاكات في تقاريرها الخاصة".
"الصحافة" الأكثر صعوبة
ونالت مهنة "الصحافة" القسم الأكبر من الانتهاكات بمختلف أنواعها، سواء الحبس، أو الاعتقال، أو القتل، بسبب احتكاكها المباشر مع السلطة، وقوة أصدائها التي تزعج النظام الانقلابي.
ويقول منسق حركة "قوميون وناصريون ضد المؤامرة" الصحفي سيد أمين، إن "المهن التي تتداخل مع السلطة الدكتاتورية، كالصحافة والتصوير والمحاماة والعمل الحقوقي، تكون عرضة لكل أنواع الاعتداء والانتهاك".
وأضاف لـ"
عربي21" أن "مهنة الصحافة خطرة للغاية، ويتعرض صاحبها للفصل والحبس، والقتل أثناء التغطية الميدانية، أو مداهمة المواقع والمقار الصحفية"، مشيرا إلى "مداهمة قوات الأمن لموقع مصر العربية، واعتقال رئيس مجلس أمناء مؤسسة مدى للتنمية الإعلامية، وعضوي نقابة الصحفيين هشام جعفر وحسام الدين السيد".
وتابع قائلا: "النظام يريد تحويل الصحافة إلى أبواق له، تشيطن الطرف الآخر، وتحامي عن المجرمين، وتخوّن المعارضين وتنبذهم".
ورصدت المفوضية المصرية للحقوق والحريات 658 انتهاكا بحق الصحفيين خلال العام الأول من حكم رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي، من بينها 138 واقعة اعتداء بدني، و170 واقعة احتجاز وتوقيف وحبس".
تداعيات مستقبلية
بدوره؛ حذر مركز عدالة للحقوق والحريات، من تداعيات "استمرار التضييق على الحريات، وقمع المعارضين وأدوات الدفاع عنهم، حتى لا تُجر البلاد إلى فوضى غير محسوبة العواقب".
وقال عضو الإدارة التنفيذية للمركز عمر كيلاني، لـ"
عربي21"، إنه "منذ أحداث الثالث من تموز/يوليو؛ شهدت البلاد تدهورا كبيرا للحقوق والحريات، بسبب ممارسات النظام السلطوي الذي انزعج من كل من يطالب بتحسين أوضاع حقوق الإنسان، وتعزيز الديمقراطية، ورفع سقف الحريات، وتطبيق القانون، ومواجهة الفساد".
وأكد أن "السلطات الدكتاتورية عادة ما تلجأ إلى سن قوانين للتضييق على أنشطة المدافعين عن الحقوق، والمطالبين بكشف الحقائق، وترفع سقف الانتهاكات بحقهم، وتضيق عليهم، وتلاحقهم، وتلفق التهم لهم"، معتبرا أن "دخول الدولة في صراع مع الحقوق والحريات؛ يجعل من المجتمع كرة ممتلئة بالغاز قد تنفجر في أي وقت، لأن المواطنين لن يجدوا من يدافع عنهم وعن مطالبهم، وسيكرس ذلك مزيدا من المظلوميات المتراكمة".