نشرت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية، تقريرا حول محاولة إجبار صحفية مسلمة على نزع حجابها، أثناء حفل لتكريم دعاة العلمانية أقيم في قاعة بلدية
باريس، وردود الأفعال المنددة بالحادثة من قبل الرأي العام والسياسيين الفرنسيين.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن العلمانيين الذين يتغنون بقيم
الحرية وحماية المرأة، يفترض أن يضمنوا للمرأة حرية ارتداء
الحجاب، والتواجد في أي مكان تريده، ولكن ليس هذا ما رأته الصحفية سهيدة أسيك، التي تعمل لحساب صحيفة "ترك زمان"، عندما جاءت لحضور حفل الاثنين الماضي، لتوزيع الجوائز على دعاة العلمانية في باريس.
وأشارت الصحيفة إلى أن رئيس الوزراء مانويل فالز، وعمدة مدينة باريس آن هيدالغو، حضرا هذا الاحتفال الذي نظمته "جمعية العلمانية والجمهورية"، التي قررت تكريم عازف البيانو التركي "فاضل ساي"، في هذا الحفل.
وأضافت أن الصحفية سهيدة أسيك أكدت أنها تعرضت للمضايقة من قبل ثلاثة أشخاص قبل بداية الحفل، حيث طلبوا منها وبكل إصرار أن تقوم بنزع الحجاب، بدون سبب وجيه، وإنما باسم "العلمانية" التي يتم الاحتفال بها في تلك الليلة.
ونقلت الصحيفة عن "سهيدة" قولها: "عند وصولي إلى قاعة البلدية؛ اقترب مني أحد موظفي الاستقبال، وواصل المشي بجانبي، ثم اقترب مني أكثر، وخاطبني بابتسامة قائلا: هل أنت مضطرة فعلا لوضع هذا الشيء فوق رأسك؟ وعندها وقفت مذهولة، وظننت في البداية أنني لم أسمعه جيدا، فطلبت منه إعادة كلامه، ولكنه قال: كما تعلمين أنت الآن في مبنى البلدية، ويجب احترام المكان، لقد سمحنا لك بالدخول، وعليك الآن أن تنزعي هذا الحجاب في المقابل، هذا أقل ما يمكنك فعله".
وتابعت سهيدة: "ازدادت الأمور سوءا عندما اكتشفت أنني نسيت هاتفي عند عناصر الأمن في بوابة المبنى، وهو ما اضطرني للنزول والعودة إلى الخارج، ثم عندما أردت الرجوع مجددا إلى قاعة الحفل؛ توجهت نحوي امرأة تنتمي إلى لجنة التنظيم، ورمقتني بنظرة عدائية، ثم قالت لي بدون مقدمات: انزعي هذا الحجاب".
وأضافت الصحيفة أن هذه المرأة العلمانية المتطرفة؛ ذهبت أيضا لمناداة أحد أعضاء لجنة العلمانية، الذي جاء هو أيضا ووجه سؤالا مهينا للصحفية قائلا: "هل أنت هنا فعلا لتغطية موضوع العلمانية؟"، وهو ما أثار غضب سهيدة، لأن هذا العلماني المتطرف اعتبر أن حجابها يمنعها من التفكير والقيام بعملها على أكمل وجه.
وذكرت "ليبراسيون" أنها لدى اتصالها بعمدة باريس آن هيدالغو، أكدت هذه الأخيرة صحة الرواية التي ذكرتها سهيدة أسيك، ونأت بنفسها عن هذه التجاوزات، وقالت إن البلدية وفرت فقط مقرا للحفل ولم تتدخل في التنظيم.
وأكدت هيدالغو دعمها الكامل لهذه الصحفية التي تعرضت للمضايقة، معتبرة أن التصرفات التي قام بها هؤلاء العلمانيون غير مقبولة وغير ملائمة.
وأشار التقرير إلى أن مساعد عمدة باريس، إيمانويل غريغوار، نشر تغريدة على "تويتر" تؤكد موقف السلطات المحلية في باريس، قائلا: "نحن نشعر بالأسف الكبير على هذه الحادثة، التي لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن سياسة مدينة باريس".
وقالت الصحيفة إنها حاولت الاتصال بجمعية العلمانية والجمهورية، التي يترأسها باتريك كيسال، ولكنها لم تتلقَ أي رد من هذا الشخص، مشيرة إلى أنه "بزيارة الموقع الرسمي لهذه الجمعية؛ يمكن أخذ فكرة واضحة عن توجهاتها المتطرفة، وعن تعريفها لكلمة علمانية".
وأوضحت أن أن جزءا هاما من موقع الجمعية؛ تم تكريسه لمحاربة "الحجاب الإسلامي"، مع نشر مجموعة من المقالات الصحفية المختارة بكل عناية، والتي تدافع كلها عن رأي واحد، وتتحامل على الشعائر الإسلامية، كما أن كل هذه النصوص كتبها أشخاص متطرفون علمانيون.
وانتقدت الصحيفة محتوى موقع الجمعية العلمانية، "لأنه لا يحتوي إلا على الآراء المتطرفة والمتحاملة على الإسلام، ولا تظهر فيه على سبيل المثال أي مقالات لصحف وكتاب يدافعون عن حرية المسلمين، أو الصحف التي تنتقد بانتظام الاستعمال السياسي لقضية الحجاب، كأداة لتحقيق مكاسب سياسية، وتبرير الاضطهاد والقمع والعنصرية، والتفرقة الجنسية ضد النساء المسلمات".
وذكرت "ليبراسيون" أنه خلال السنوات الأخيرة؛ منحت هذه اللجنة العلمانية المتطرفة جوائزها لأشخاص يتم اختيارهم بدقة، تبنوا مواقف متطرفة، والقاسم المشترك الأبرز بينهم جميعا هو مهاجمتهم للإسلام، على غرار مديرة حضانة "بيبي لوب"، والنائبة اليسارية "فرانسوازل ابورد"، والوزيرة السابقة "جانيت بوغراب"، والفيلسوف "هنري بينارويتس"، كما أن أحد رسامي شارلي إيبدو، المعروف باسم "شارب"، كان رئيس لجنة التحكيم في هذه المنظمة في عام 2012.
وأضاف التقرير أن أحد المكرمين في هذه السنة، وهو "سامويل مايول"، ليس إلا مدير إحدى جامعات مدينة "ساندوني"، ويشتبه بأنه قام في الفترة الأخيرة بوضع سجادات صلاة في أحد مقرات جمعية الطلبة المسلمين، لكي يقوم فيما بعد بتشويههم واتهامهم باستخدام المقر لأغراض دينية.
وفي الختام؛ أشار التقرير إلى أن رئيس الوزراء مانويل فالز؛ لم يخفِ خلال لقائه مع الصحافة، امتعاضه الكبير من هذه الحادثة، وأكد أن اليمين المتطرف يستعمل الأيديولوجيا العلمانية لخدمة مصالحه، وكسلاح لمحاربة الإسلام، ولكن الصحيفة طرحت نقاط استفهام حول هذا التصريح، متسائلة عما إذا كان اليمين المتطرف فقط هو الذي يسيء إلى الإسلام في فرنسا.