قالت مجلة "
نيوزويك" الأمريكية إن ما كتبه وزير الخارجية الأمريكي السابق هنري كيسنجر، ومدير مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي ريتشارد هاس، في مقالين سابقين لهما عن الأزمة السورية، "يمس التدخل الروسي في
سوريا: ماذا يعني؟ وإلى أين سيذهب؟ وهل هناك شيء مفيد سيخرج منه؟".
وأشارت المجلة إلى السؤال الذي طرحه الباحث في مركز رفيق الحريري بالمجلس الأطلنطي فردريك هوف في مقال له: "هل كيسنجر محق في توصيفه للأسد وتنظيم الدولة الإسلامية؟"، وأضافت "ومع أنه ناقش قائلا إنه لا يجب أن نوافق على كل ما ورد بمقالي المفكرين الأمريكيين المهمين في مجال السياسة الخارجية" إلا أنه "يمس التدخل الروسي في سوريا".
وتطرقت المجلة إلى مقال كيسنجر الذي أثار نقدا، خاصة الجملة التي قال فيها إن "تدمير
تنظيم الدولة أكثر أولوية من الإطاحة بنظام بشار الأسد الذي فقد أكثر من نصف المنطقة التي كان يسيطر عليها، فالتأكد من عدم تحول هذه المنطقة ملجأ للإرهابيين يجب أن يأخذ أولوية".
ونقلت تعليق هوف الذي قال: إن نزع هذا التصريح عن سياقه يثير مخاوف من عانوا من نظام الأسد وجرائم الحرب التي ارتكبها ضد الإنسانية ولأكثر من أربعة أعوام، و"بالتأكيد فتجريد هذه العبارة عن سياقها يقدم تأكيدا كاذبا لمن يخشون تعاون واشنطن مع دمشق في الحرب ضد تنظيم الدولة- أي الحل الدبلوماسي- السياسي الذي يرغب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتحقيقه. ومع ذلك فالسياق مهم ولم يرم كيسنجر باقة ورد للقائد الأعلى المسؤول عن البراميل المتفجرة".
ويواصل هوف قائلا: "لا شيء في حس كيسنجر من الأولويات ما يناقض الأطروحة التي تقدمها هذه الصفحات، وهي أنه يجب على الولايات المتحدة أن تقوم بجهود دبلوماسية كبيرة لتجميع القوى الإقليمية المقاتلة كي تشارك في حملة عسكرية تقوم بالتزامن مع قوات التحالف بتنظيف سوريا من تنظيم الدولة الإسلامية والسماح بإنشاء حكومة سورية معترف بها وبشكل يسمح بإنشاء قوى وطنية حقيقية".
ويشير كيسنجر إلى أنه يجب "غزو مناطق تنظيم الدولة إما من القوى السنية المعتدلة أو القوى الخارجية". وعلقت الصحيفة بأن إعداد قوات السنة يحتاج لسنوات طويلة والوقت هو العدو، ولهذا فالقوى الخارجية هي القوى الوحيدة التي يمكن أن تتقدم للإمام. و"للأسف فالشعور الواضح داخل إدارة أوباما يتقلب ما بين (من الصعب عمله) أو أن (القوى الإقليمية ليست راغبة في عمله)".
ويشير هوف إلى أن كيسنجر يتحدث عن النقطة المناسبة حينما قال: "أعلنت الولايات المتحدة عن التصميم للإطاحة بنظام الأسد لكنها ليست مستعدة لتوفير النفوذ الفعال- سياسيا أو عسكريا- لتحقيق الهدف". ومن ثم يقدم كيسنجر وصفة للحل تقوم على "بناء فدرالي" "يقسم الأجزاء السنية والعلوية"، ومن خلال هذا الشكل "فسيتم إنشاء سياق يخفض من احتمالات الإبادة أو الفوضى ويقود إلى انتصار الإرهابيين".
ويرى هوف، حسب الصحيفة، أن وصفة كيسنجر إشكالية رغم أنها لا تستبعد أي سيناريو قد يوقف العنف ويقدم الحماية الحقيقية للسوريين العزل. فلا يزال كيسنجر يرى أن دورا مستمرا للأسد سيمنع الإبادة والفوضى وانتصار الإرهابيين. واستدركت هوف: ماذا لو سقط الأسد عن دراجة أو أصيب بجلطة قلبية؟ وماذا لو قامت عائلته الممتدة ومساعدوه المقربين وركبوا الطائرة للعيش في منفى طويل بمنسك، فهل سيفتح كل هذا أبواب دمشق لزحف مقاتلي تنظيم الدولة الذي لا يمكن وقفه؟
ويجيب الكاتب بلا؛ لأن التداخل بين عائلة الأسد- والدائرة المقربة مع الحكومة (بما في ذلك الجيش العربي السوري وسلاح الجو) مفهوم ولكنه مضلل. فالافتراض هو أن غياب الطرف الأول قد يؤدي إلى انهيار الدولة لا يقوم على أساس، وبالتأكيد سيؤدي غياب النظام إلى فتح الباب أمام نقاش داخلي سوري حول الترتيبات الأمنية والعملية الانتقالية وجبهة موحدة ضد تنظيم الدولة والتي يشوش عليها النظام الآن من خلال عمليات الاعتقال والقمع.
بالمقابل ناقش ريتشارد هاس في مقاله "فحص بوتين في سوريا" الفكرة نفسها التي تتحدث عن التداخل بين النظام والحكومة، "فحكومة الأسد سيئة، وهي تستحق المحاسبة على هذه النتيجة (مساعدة بوتين للنظام) إلا أنها أفضل على المدى القصير من انهيار النظام. فالحقيقة المؤلمة اليوم في دمشق أن انفجار النظام من المحتمل أن يؤدي إلى إبادة وتشريد ملايين جدد وإنشاء ما يطلق عليها بالخلافة في دمشق".
وبعيدا عن أثر هذه الكلمات المؤلمة على السوريين أن يقرؤوها، لأن "الأثر الإبادي الذي تركته براميل الأسد والحصار والتجويع على السكان السنة وإن كان مثيرا للأسف، ولكن أفضل من وقوعها على أناس يتمتعون بحماية النظام".
ويعلق هوف أن هاس بالتأكيد لا يقصد ما يقوله، ويقارب ما بين استئصال هذه الزمرة التي تحاول حماية نفسها من خلال ارتكاب جملة من الجرائم تشبه "انفجار الحكومة". والمنطق الذي يتحدث عنه هو أن الإطاحة بالنظام سيعطي الحكومة وقواتها الأمنية القدرة على الوصول إلى مناطق جديدة لا تستطيع في الوقت الحالي الوصول إليها.
ويشير هوف إلى أن الضغط لا يأتي على النظام من تنظيم الدولة ولكن من المعارضة السورية التي تضغط على النظام ويستهدفها طيران النظام.
ويأمل هاس في أن يكون هدف بوتين هو تنحية الأسد عن السلطة وإنشاء حكومة تخلفه وتلقى في الحد الأدنى دعما من قاعدته العلوية وبعض السنة.
ويبدو أن هاس وكيسنجر متفقان حول الرأي الذي عبر عنه كيسنجر والذي يرى أن أهداف الروس لا تحتوي على فكرة استمرار حكم الأسد "بل هي مناورة كلاسيكية عن توازن القوة تهدف لمواجهة خطر الإرهابيين السنة وتهديدهم من جنوب
روسيا".
ويرى هوف أن "الوقت ومصير الأسد سيؤكدان فيما إن كانت أهداف روسيا تتركز على مواجهة التهديد الإرهابي والحفاظ على قاعدة عسكرية بحرية لتزويد البوارج بالوقود وحماية دولة صديقة".
ويعتبر هوف أن أمريكا ترى بأن فلاديمير بوتين والمتعاونين الإيرانيين معه يرغبون ولأسباب متعارضة- في الحفاظ على الأسد وإبقائه في السلطة ويحكم لمدة طويلة جزءا كبيرا من سوريا.
و"بالنسبة لبوتين فبقاء الأسد ما هو إلا توبيخ لواشنطن. فهو يريد إجبار واشنطن على التحالف معه ضد تنظيم الدولة، أما بالنسبة للمرشد الأعلى للثورة الإسلامية فالنظام الفدرالي أو دويلة صغيرة تترك موظفها الأسد في غرب سوريا يعني استمرار إيران بتزويد حزب الله بالسلاح وحماية صواريخها في جنوب لبنان".
ويرى هوف أن كيسنجر وهاس أثريا النقاش حول سوريا ومستقبلها والدور الروسي فيها.
لكن الكاتب يرى أن الربط بين النظام والحكومة غير صحيح ولكنه مفهوم حيث تستند إدارة أوباما عليه واحدا من الأسباب التي تمنعها من حماية المدنيين من الأثر الإبادي لعمليات النظام. ويرى هوف أن الأطروحة التي تقول إن رحيل الأسد تعني دخول البغدادي لدمشق غير صحيحة. ولكن في سياق السياسة الأمريكية لا تزال نقاشا يستخدمه البعض.