كتب فهمي هويدي: إعلاميا وسياسيا تعرضت
تونس في الأسبوع الماضي، لزلزال سياسي من الدرجة العالية. ذلك أن حزب النداء الذي يقود الائتلاف الحكومي فقد أغلبيته البرلمانية، بعد انشقاق 32 نائبا واستقالتهم منه، وانفراط عقد حزب الأغلبية يعد تطورا مهما لا ريب. إلا أن الأهم من ذلك أن هذه الخطوة إذا تمت فإنها تقلب الموازين داخل البرلمان، بحيث تصبح حركة النهضة ذات المرجعية الإسلامية صاحبة التمثيل الأكبر، حيث يكون لها 69 نائبا في مقابل 52 نائبا لحزب
نداء تونس.
ما حدث لم يكن مفاجئا تماما، لأن تركيبة حزب نداء تونس لم تكن مرشحة للاستمرار من البداية، ذلك أن الحزب الذي شكله السيد باجي قايد السبسي (الرئيس لاحقا) قام على فكرة منازلة حركة النهضة التي فازت بالأغلبية في انتخابات عام 2011 وشكلت الحكومة.. إلى آخر القصة المعروفة آنذاك.
وبسبب تلك الخلفية اجتمع في الحزب أهم، إن لم يكن كل معارضي النهضة، من علمانيين وليبراليين ويساريين ومستقلين وقوميين ودستوريين. وكانت عناصر اليسار وغلاة العلمانيين هي الأكثر نشاطا في تجميع المعارضين وإذكاء المواجهة. وحين حقق حزب النداء مراده في الفوز بالمركز الأول في انتخابات عام 2014 وتفوق على النهضة في عدد المقاعد، ظهرت التمايزات بين مكوناته وعاد كل فريق إلى جماعته الأصلية، إذ ما عاد "النداء" صوتا واحدا ولكن ترددت في فضاءاته أصوات عدة معبرة عن اختلاف الأيديولوجيات والطموحات السياسية من جهة، وعن الرغبة في الاستئثار ببعض المناصب الوزارية من جهة أخرى. ولأن شخص الرئيس السبسي كان إحدى نقاط الالتقاء بين التيارات المختلفة بقدر ما أن معارضة حركة النهضة كانت الموضوع الأساسي للقاء، فإن تقلد السبسي لمنصب رئيس الجمهورية وتخليه عن قيادة الحزب أضاف سببا جديدا للخلاف بين أركان حزبه حول التيار أو الشخص الأجدر بخلافته.
رغم تعدد أسباب الخلاف داخل نداء تونس، إلا أن أحد العوامل الجوهرية التي ظلت كامنة وراء العديد من مشاهد الصراع بين أجنحته تمثلت في التنافس على قيادة الحزب وإدارته بين حافظ قائد السبسي ابن الرئيس الذي يشيع بين كثيرين أنه يسعى لخلافة أبيه، وبين الأمين العام للحزب محسن مرزوق، (كان مدير الحملة الانتخابية التي أسفرت عن انتخاب الرئيس).
ثمة كلام كثير يتردد حول تفاصيل الصراع. وسعى السبسي الأب إلى احتوائه، وفشله في ذلك بسبب ما أثير عن انحياز الأب لابنه، الأمر الذي أبقى الأبواب مشرعة أمام الانتقادات والتجاذبات والاشتباكات، التي وصلت إلى حد اللجوء إلى القضاء لوقف أعمال الاجتماع الانتخابي للحزب وإبطال بعض قرارات هيئته التأسيسية.
وكان من بين أوراق الضغط التي استخدمها من وصفوا بالمنشقين من ممثلي الحزب في البرلمان أنهم هددوا بالاستقالة من الحزب إذا لم تتم الاستجابة لطلبهم باتخاذ بعض الإجراءات التصحيحية لعلاج مشكلاته الداخلية. وأمهل هؤلاء قيادة الحزب إلى يوم 10 نوفمبر الحالي لحسم الأمر، وإلا فإنهم سوف يقدمون استقالتهم.
وحين حل الأجل ولم يستجب لمطلبهم فإنهم أعلنوا موقفهم، الأمر الذي أدى إلى خسارة الكتلة النيابية للحزب للأغلبية البرلمانية، ويؤدي إلى تقدم حركة النهضة، بحيث تعود إلى تقلد المركز الأول الذي شغلته في انتخابات عام 2011، الأمر الذي يفتح الأبواب مرة أخرى لتولي الحركة رئاسة الحكومة.
سألت الشيخ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة عن احتمالات عودة الحركة إلى رئاسة الحكومة، فجاء رده كالتالي: إن استقالة نواب نداء تونس لا تصبح سارية إلا بعد مضي خمسة أيام على تقديمها، (حين اتصلت به هاتفيا لم تكن المدة قد انقضت)ــ في الوقت نفسه ثمة جهد يبذل لإثناء المستقلين عن قرارهم. إذا أصروا على موقفهم وتراجعت أغلبية ممثلي "النداء" فإن حركة النهضة تصبح في المركز الأول ويحق لها الترشح لرئاسة الحكومة، إلا أن نص المادة 89 من الدستور وسع من خيارات رئيس الجمهورية، بحيث خوله حق تكليف مرشح حزب الأغلبية أو الائتلاف الحاصل على أكبر عدد من مقاعد مجلس النواب بتشكيل الحكومة.
وفي الوقت الراهن فإن رئيس الوزراء، الحبيب الصيد، يعد رجلا مستقلا وليس مرشح حزب النداء، ولكن اختياره تم بالتوافق بين قيادتي النهضة والنداء، وهذا التوافق لا يزال ساريا إلى الآن.
سألته: هل ستطالب حركة النهضة بحقها في رئاسة الحكومة إذا ما أصبحت في المركز الأول؟، فكان رده أن الحركة تخلت طائعة عن الحكومة حين كانت تملك الأغلبية في مجلس النواب السابق لحرصها على التوافق والاستقرار في تونس. وهي ما زالت على موقفها إلى الآن. ولذلك فإنها لن تطالب بتشكيل الحكومة ولكنها ستظل داعمة لحكومة الصيد، لأن حرصها على الاستقرار لا يزال قائما، فضلا عن أنها تريد لحكومته أن تواصل مسيرة الإصلاح، ونجاحها في ذلك هو الفوز الحقيقي للنهضة.
سألته أخيرا: هل تعتبر ما جرى زلزالا سياسيا؟ فرد ضاحكا: إنها مجرد هزة أرضية بسيطة بوسعنا استيعابها وعبورها.
(عن صحيفة الشرق القطرية- 15 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015)