قمة مجموعة العشرين انطلقت فعالياتها يوم الأحد الماضي في مدينة أنطاليا جنوبي تركيا، واستمرت يومين بمشاركة قادة الدول الأعضاء في المجموعة.
وبعد انتهاء أعمال القمة مع صدور البيان الختامي مساء يوم الاثنين، التقط رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان صورة تذكارية مع جميع العاملين في القمة تقديرا لدورهم في نجاحها، كما شكر جميع المنظمات والمؤسسات التي أسهمت في هذا النجاح. ولا شك في أن استضافة قمة العشرين في الأراضي التركية دون حدوث أي مشكلة سواء خلال التحضيرات للقمة أو الفعاليات نجاح كبير يسجل لصالح تركيا ويؤكد أنها قادرة على تنظيم مثل هذه الفعاليات الدولية واستضافتها.
القمة كانت أكبر دعاية لمدينة أنطاليا السياحية وفنادقها، ولو صرفت الحكومة التركية ملايين الليرات لما حققت مثل هذه الدعاية. ويمكن أن تضاف إلى هذا المكسب الكبير عائدات القمة التي يتوقع أن تصل إلى 200 مليون يورو، كما صرح رئيس بلدية أنطاليا "مندريس توريل". وعلى هامش القمة أيضا، تم توقيع 7 اتفاقيات تعاون بين تركيا والصين يبلغ حجمها إلى 40 مليار دولار.
المكاسب التي جنتها تركيا من استضافة قمة العشرين لم تكن اقتصادية فحسب، بل كانت هناك مكاسب سياسية أقلها حضور الرئيس الأمريكي باراك أوباما والرئيس الروسي فلاديمير بوتين والعاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز والمستشارة الألمانية أنجيلا مركيل وغيرهم من الزعماء والرؤساء، وللقاءات الثنائية التي جمعتهم مع رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء أحمد داود أوغلو لبحث التطورات في قضايا مختلفة وسبل تعزيز العلاقات بين تركيا وبلدانهم.
كانت هناك جهود تبذل منذ فترة طويلة على المستوى الدولي والإقليمي لفرض عزلة على تركيا بسبب سياساتها الخارجية ومواقفها المشرفة من الربيع العربي ومطالب الشعوب. وكان أعداء هذه السياسات والمواقف في الداخل والخارج يروِّجون أن تركيا بــ"سياساتها الخاطئة" فقدت جميع أصدقائها وأصبحت بمعزل عن بقية العالم. ومع استضافة قمة العشرين في أنطاليا بمشاركة قادة كل هذه الدول وسط اهتمام إعلامي كبير ذهبت تلك الجهود والحملات الإعلامية المغرضة إلى مزبلة التاريخ. وأما أردوغان الذي استهدفوه طوال هذه الفترة وقالوا إنه المسؤول عن "عزلة تركيا"، فكان نجم القمة بلا منازع.
زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز لتركيا للمشاركة في قمة العشرين واستقباله بحفاوة من قبل القادة الأتراك من التطورات التي تشير إلى فشل الجهود التي بذلت من أجل فرض العزلة على تركيا. ومن المؤكد أن الصور التي عكست تلك الحفاوة وترميم العلاقات بين البلدين، بالإضافة إلى تبادل الملك سلمان والرئيس أردوغان عبارات الترحيب والشكر عبر موقع التواصل الاجتماعي الشهير "تويتر"، أزعجت تلك القوى التي سعت لعزل تركيا عن المنطقة وإفساد العلاقات بين أنقرة والرياض.
المعارضة التركية كان موقفها من قمة العشرين سيء للغاية، حيث حاولت أن تقلل من أهمية القمة ونجاحها بدلا من أن تتعاطى معها كمناسبة يجب استغلالها لصالح تركيا بعيدا عن الحسابات الحزبية. وفيما كان قادة الدول الأعضاء في مجموعة العشرين مجتمعين في أنطاليا في ضيافة الحكومة التركية، واصلت وسائل إعلام تركية معارضة سعيها لتضليل الرأي العام وإلصاق تهمة دعم الإرهاب بالحكومة التركية.
قمة العشرين في أنطاليا اجتمعت على وقع تفجيرات باريس وفي ظل العمليات التي يقوم بها قوات الأمن التركية لمكافحة حزب العمال الكردستاني في شرق البلاد، ولكنها مرت بسلام وانتهت بنجاح. ومما لا شك فيه أن الشعب التركي الذي طوى صفحة الأزمة السياسية وحالة الغموض في الأول من الشهر الجاري يستحق أكبر قدر من الشكر والتقدير على دوره في هذا النجاح. ولولا الفوز الكبير الذي منحه الشعب التركي لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات المبكرة لكانت تركيا استضافت هذه القمة في ظل أزمة سياسية، والتقى داود أوغلو ضيوف القمة كزعيم لا يُعرَف هل سينجح في تشكيل الحكومة أم لا، ولكنه بفضل 49.5 بالمائة من أصوات الناخبين، خرج أمام القادة والزعماء كزعيم منتصر سيشكل الحكومة خلال أيام دون الحاجة إلى دعم أي حزب آخر لنيل الثقة في البرلمان.