تقاوم فصائل مسلحة عراقية، ينظر لدورها على أنه ضروري في قتال تنظيم الدولة، تحركات لخفض ميزانيتهم، وهو ما يسلط الضوء على التحدي المتمثل في فرض الحكومة سلطتها على واحد من أكثر القوات بأسا ونفوذا في البلاد.
وأمام تراجع الإيرادات جراء أسعار النفط المنخفضة يخطط
العراق البلد العضو بمنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) لإجراء تخفيضات واسعة النطاق في الميزانية العام المقبل، وينتظر أن ينخفض الإنفاق الحكومي نحو عشرة بالمئة إلى حوالي 95 مليار دولار.
وتشتكي فصائل مسلحة بينها ما يسمي قوات
الحشد الشعبي الشيعية المدعومة من إيران من أن الحكومة في بغداد تخطط لاستبعاد عشرات الآلاف من عناصرها بدلا من قبول طلبها تمويل 156 ألف مقاتل العام المقبل.
ونفى سعد الحديثي المتحدث باسم رئيس الوزراء حيدر
العبادي أي نية لخفض الوظائف لمقاتلي الحشد الشعبي.
وقال إن حوالي مئة ألف فحسب سجلوا في عام 2015، وإن الحكومة ستواصل تمويلهم بتكلفة حوالي مليار دولار، لكنها ستلغي 50 ألف راتب مخصصة لمقاتلين كان من المتوقع تسجيلهم، لكن ذلك لم يحدث.
وأكد الحديثي أن التمويل سيتم توفيره إذا ارتفع عدد المسجلين العام المقبل، لكن الحشد الشعبي يرغب في تأمين التمويل الحكومي الآن.
ويعكس الخلاف رفضا لسيطرة الحكومة بشكل مباشر على الحشد الشعبي الذي يدار من مكتب رئيس الوزراء، لكنه يتشكل من مقاتلين لهم صلات وولاءات لطائفة مختلفة من قادة الفصائل والسياسيين والزعماء الدينيين.
وقال سجاد جياد المحلل العراقي الذي يقدم المشورة للحكومة: "يفضل الحشد الشعبي الحصول على مبلغ إجمالي لتوزيعه على المقاتلين؛ إذ يعدّه مناسبا للسيطرة على ميزانيته الخاصة، كما هو الحال بالنسبة لوزارتي الدفاع والداخلية. لكن الحكومة لا تريد الموافقة على ذلك."
وقال أحمد السعدي المتحدث باسم قوات الحشد إن 550 مليون دولار إضافية طلبت لتوفير أسلحة وذخيرة وغيرها من المستلزمات.
وقال جياد إنه بضغط الإنفاق العام المقبل يأمل العبادي في منع تحول الحشد الشعبي لمؤسسة حكومية رسمية قد تدفع قادتها على سبيل المثال لمناصب من خلال الانتخابات متوقعة في 2017 و2018.
لكن رئيس الوزراء عليه أيضا أن يتجنب النظر إليه كعقبة في طريقهم، وهو أمر قد يجلب عليه انتقادات ويدفعهم للجوء إلى ممولين غير حكوميين.
وازدادت الفصائل العراقية المسلحة، التي زودتها إيران بالسلاح والتدريب، نفوذا وشعبية منذ اندفعت للصفوف الأمامية في يونيو/ حزيران 2014 بعد إعلان تنظيم الدولة قيام دولة الخلافة في مناطق بشمال البلاد وغربها تمتد حتى الحدود السورية.
وتنفي قوات الحشد الشعبي الحصول على تمويل من غير الحكومة العراقية، لكن بعض الفصائل التي تقدم آلافا من المقاتلين للحشد الشعبي تنخرط في إطار منفصل في أنشطة أخرى، ويعتقد أنها تحتفظ بموارد تمويل بديلة.
ويشكل قادة الجماعات المسلحة والحلفاء السياسيون أحد أكبر التحديات المحتملة للعبادي الذي يكافح سعيا لتعزيز قبضته منذ تولى السلطة في سبتمبر/ أيلول 2014 رغم دعمه من قبل الولايات المتحدة وإيران على حد سواء.
وبينما تنفي قوات الحشد الشعبي أن لها أي تطلعات سياسية، فإن للكثير من الفصائل المسلحة أجنحة سياسية، وتتمتع بدعم شعبي واسع بعد سلسلة من الانتصارات على الدولة في وقت انهار فيه الجيش مرتين تقريبا أمام مقاتلي التنظيم السني المتشدد.
وقال السعدي المتحدث باسم الحشد الشعبي إن الفصائل المسلحة تتطلع لأن تكون جزءا من المؤسسة الأمنية، رغم أن هذا لا يعني بالضرورة الاندماج في مؤسسات قائمة كالجيش والشرطة.
وقال جياد: "إنهم يدركون أن الوقت حان للحصول على الاحترام الذي يستحقونه من جانب السياسيين، وإضفاء صبغة رسمية على علاقاتهم مع الدولة." مضيفا أن هذا يقتضي تحديد مصادر تمويلها، ووضع ذلك في إطار رسمي ورعاية عناصرها ومصابيها.
وفي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وفي إطار إصلاحات ومحاولات لمكافحة الفساد فصل رئيس الوزراء 50 ألف "جندي وهمي"، وهم عناصر من الجيش لم يكن لهم وجود، لكنهم مدرجون على كشوف
الرواتب.
وأدت هذه الممارسة إلى إثراء بعض القادة، وأضعفت قوة الجيش، وعجلت بانهياره أمام تنظيم الدولة .
تساءل البعض إن كانت المنافسة على التمويل داخل الجماعات المشكلة للحشد الشعبي قد تسببت في تضخيم أعدادها. وقال جياد إن هناك بالتأكيد قلقا في الحكومة من أنه مهما كانت الأموال التي يتم دفعها فإنها ليست دقيقة تماما.
وقال السعدي إن الأمر ليس كذلك. وأضاف قائلا: "هذا كلام غير منطقي فضلا عن أنه مبني على اتهامات زائفة. لو نحسب جبهاتنا، وما نحتاج إليه من عداد، نحتاج ما لا يقل عن إضافة خمسين بالمئة على العداد الحالية حتى تشد الجبهات التي إحنا ماسكين."
وقال إنه منذ فبراير/ شباط دفعت قوات الحشد الشعبي رواتب إلى 130 ألف مقاتل بينهم 20 ألفا للمصابين وذوي القتلى.
وخاطب هادي العامري القائد البارز بمنظمة بدر، وهي حركة سياسية ساهم جناحها المسلح بآلاف المقاتلين في الحشد الشعبي البرلمان قبل أيام، لتوضيح أهمية زيادة المخصصات للمقاتلين.
وقال العامري الذي اندفع للجبهات الأمامية العام الماضي لوقف تقدم الدولة الإسلامية صوب بغداد، رغم أنه حينها كان وزيرا للنقل، إن الحشد الشعبي قادر على تحرير العراق، لكن هذا سيتطلب توفير المطلوب من الرجال والقدرات والمعدات.
ويخشى المؤيدون أن منتقدي العبادي قد يستغلون ميزانية الحشد الشعبي؛ لتسجيل نقاط سياسية في القضية التي تجتذب دعما واسعا بين أعضاء البرلمان وعموم العراقيين.
وقال موفق الربيعي، وهو برلماني بارز من التحالف الحاكم بزعامة العبادي ومستشار سابق للأمن القومي: "هناك بالفعل شعور معاد للعبادي في البرلمان بسبب خطة الإصلاح، الناس لا يريدون خسارة مكاسبهم الاقتصادية أو نفوذهم السياسي. ستكون هذه عقبة أخرى أمامه بسبب شهرة الحشد الشعبي."