كتب منار الرشواني: إذا كنت من أنصار "نظرية المؤامرة" الموظفة في الدفاع عن استبداد وفساد ما قبل "الربيع العربي"، فليس صعبا أبدا أن تجد في التدخل العسكري الروسي المباشر في
سوريا، ذات الأدلة المستخدمة ضد الولايات المتحدة؛ لاسيما بأنها أطلقت هذا "الربيع" فقط لتقسيم المقسم. يكفي مثالا على ذلك الموقف الروسي المتطابق تماما مع الموقف الأمريكي بشأن أكراد سوريا.
ففيما يكاد الأمريكيون يحصرون دعمهم العسكري للمقاتلين في سوريا، وبأشكاله كافة، بالأكراد؛ كان الرئيس بوتين أكثر من واضح في خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة، في أيلول (سبتمبر) الماضي، بتأكيده أنه ليس هناك من هو قادر على مواجهة "
داعش" في سوريا سوى قوات الأسد، والمقاتلين الأكراد؛ في فصل ومساواة في الوقت نفسه ذاتي دلالة.
وبناء على الدعم الأمريكي والروسي على حد سواء، يكاد يكون مفروغا منه أن المناطق الكردية السورية ستتمتع باستقلال ذاتي مشابه لوضع كردستان العراق؛ بغض النظر عن بنود التسوية النهائية للأزمة السورية، بقي الأسد أم رحل. وهي النتيجة التي نعرف أن الممانعين والمقاومين "القومجيين" كانوا سيصفونها بالتقسيم لو جاءت بمبادرة أمريكية، كما حصل في العراق..
لكن يبدو أنه "لا صوت يعلو على صوت معركة إبقاء الأسد"، ولو بالتقسيم بتعريفهم هم وليس أي أحد سواهم! علما أن أحد أركان "المقاومة والممانعة"، ممثلا بالكتلة البرلمانية لرئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي "ائتلاف دولة القانون"، لايزال يواصل التأكيد الدور "الصهيوني" لكردستان العراق. ولم تكن المناسبة الأخيرة للتذكير بذلك، إلا تحرير الأكراد لمنطقة سنجار من "داعش"! إذ اعتبر عضو الائتلاف محمد الصيهود، في بيان صحفي، أن "العمليّة برمتها أريد منها إعادة تسويق رئيس إقليم كردستان المنتهية ولايته مسعود البارزاني إلى الساحة السياسيّة من جديد، باعتباره جزءا من المشروع الصهيوأمريكي التآمري على العراق".
لكن الأهم من ذلك هو الرغبة في محاربة "داعش" فعلا. وإذ قيل ويقال الكثير عن المؤامرة الأمريكية-الغربية لصناعة "داعش"، وأحيانا دور دول الخليج (أي بما يلزم لتبرئة المالكي والأسد)، فإن السؤال هو: هل تحارب موسكو "داعش" فعلا؟ وهل تريد حقا استئصال التنظيم أو إضعافه إلى أقصى حد؟
مرة أخرى، بمعيار "لا صوت يعلو على صوت معركة إبقاء الأسد"، ما يعني اعتبار كل معارض للأسد، ولو بالوسائل السياسية، "داعشيا"، تكون
روسيا قد فعلت أكثر من الولايات المتحدة بتركيز قصفها على فصائل المعارضة السورية المسلحة. لكن بمعيار الحقيقة، تكون روسيا مساهمة في الإجهاز على القوات التي ستتصدى وحدها على الأرض لـ"داعش" الحقيقي، والمعروف للجميع.
فالآن، ينضم الرئيس بوتين إلى الولايات المتحدة وأوروبا بتأكيد عدم النية إرسال قوات برية إلى سوريا، مع إقرار الجميع في الوقت ذاته بأنه لا يمكن هزيمة "داعش" إلا على الأرض. ويكون مفروغا منه بالتالي أن من سيتولى هذه المهمة، إن صدقت النوايا بشأنها، هم السوريون أصحاب الأرض وحدهم؛ سواء كانوا على جانب المعارضة أم نظام الأسد الآن. لكن هؤلاء يُستنزفون بالقصف والمعارك بعضهم بين بعض، فقط لأجل إبقاء الأسد بمسمى رئيس.
(عن صحيفة الغد الأردنية، 23 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015)