لم تحظ الحركة الإسلامية (الجناح الشمالي) في فلسطين المحتلة عام 1948، بالاهتمام أو المتابعة، فضلا عن التعاطف، بعد حظرها من طرف المؤسسة الصهيونية، في منابر فريقين في المنطقة، يمكن اعتبارهما محورين، كما يفترض أنهما مفترقان غالبا، بالرغم من التقائهما في عدد من القضايا والملفات وإن لدواع مختلفة، ولكن هذا الاختلاف في الدواعي لا يلغي القيمة الكاشفة لهذا التلاقي.
ثمة محور عربي، أوضح ما يكون في موقع حماية المصالح الصهيونية في المنطقة، ويبدو اليوم متشبعا بالإثارة، وهو يتجاوز دوره المرسوم، إلى المزيد من الإخلاص والتفاني في خدمة هذه المصالح، وإلى المزيد من العداء للأمة وقواها التحررية، وهو أكثر ما يكون حضورا وكثافة في الانقلاب المصري، الذي بلغ به الحدّ مسح مدينة مصرية في سيناء، وإغراق أنفاق غزة بمياه البحر لإحكام الحصار على مقاومتها، ثم هو سافر الحضور في عدد من البلاد العربية كقوة ثورة مضادة في مواجهة قواها التحررية، ويتصدر مشهد الكيد والتآمر على الحركة الإسلامية حيثما كانت في هذا العالم، حتى إنك تتعجب من دوره في أقاصي البلاد بعيدا عن المجال الحيوي لأي من أطرافه.
وهذه الذروة في العداء للأمة قائمة على جذور تأسيسية بررت وجود بعض أطرافه على الأقل، وهو وإذ كان كذلك، فإن موقفه الطبيعي من الحركة الإسلامية في فلسطين المحتلة عام 48، في أقصاه العداء والحصار بالتعاون مع العدو الصهيوني، وفي أدناه الإهمال والطرد من أجندته الإعلامية، خاصة وأن هذه الحركة تقف في موقع مناقض تماما لهذا المحور ودوره الوظيفي، سواء من ناحية دورها في المسجد الأقصى، والذي انطوى على أهمية لافتة لا يمكن عزلها عن المواجهة الدائرة الآن في القدس والضفة والغربية، أو من ناحية انتمائها للفضاء الإسلامي الحركي، وخطها الذي تميزت به عن بقية الأطر الفلسطينية داخل "الـ 48"، من جهة تحررها من المؤسسة الصهيونية.
وهذا بصرف النظر عن كل النقد الذي يمكن توجيهه للحركة الإسلامية بهدف تطوير موقعها من النضال الفلسطيني العام والاشتباك مع العدو الصهيوني، فهذا المحور بالتأكيد ليس معنيا بتطوير نضالات الحركة الإسلامية، وإنما هو معني باستئصالها، وبوقف دورها في قضية المسجد الأقصى تحديدا، والذي يبدو أن تصورا ما، وبالاتفاق مع بعض دول هذا المحور، كان قد نضج في السنتين الأخيرتين بشأن تقسيمه، ولم يتصد له إلا الشعب الفلسطيني في القدس والضفة في المواجهة الراهنة، والحركة الإسلامية من قبل ومن بعد.
يتلاقى مع هذا الموقف، على الأقل من جهة الإهمال؛ موقف المحور
الإيراني الذي كان قد همّش من خبر الحركة الإسلامية في منابره من قبل، على الأقل منذ الثورة السورية، وتجاهل إلى حد كبير، رئيسها الشيخ رائد صلاح، صاحب الدور الأبرز في قضية المسجد الأقصى، ومن ثمّ فإنّ تفاعل منابره مع قرار حظر الحركة الإسلامية، لم يرق لا إلى مستوى ادعاء المحور الذي غطى سياساته بقضية فلسطين والمقاومة، ولا إلى مستوى الحدث نفسه، والذي يأتي في سياق المواجهة الحالية (انتفاضة القدس)، حتى وإن كان قرارا قد تردد كثيرا خلال السنوات الماضية في أوساط المؤسسة الصهيونية.
يذكر هذا التلاقي، باحتفاء عدد من منابر المحور الإيراني بانقلاب عبد الفتاح السيسي الأكثر عداء للمقاومة الفلسطينية من حسني مبارك، والذي ما أنجز انقلابه إلا بأموال الخليج، الذي يستخدم وعلى نحو واسع في أوساط مثقفي المحور الإيراني كأداة تحليل، تؤشر على العمالة لأمريكا وخدمة المصالح الصهيونية في المنطقة، لكنها تنهار وتفقد قيمتها في حالة انقلاب عبد الفتاح السيسي، تماما كما تفقد مصداقيتها مجمل الدعاية التي تتغطى بالمقاومة وشعارات العداء للاستعمار والوحدة الإسلامية والموقف من العملاء، بمجرد تعارضها مع مصالح رأس المحور ومشاريعه السياسية الخاصة، وبهذا يمكننا أن نفهم كيف يتحول العملاء إلى مقاومين بمجرد تغيير اصطفافهم إلى جانب المحور، وكيف يغادر المقاومون "مربع المقاومة"، بمجرد تمايزهم عن اصطفافات المحور، حتى وإن كانوا الجهة الوحيدة التي لا تزال تمارس المقاومة فعلا.
يمكن فهم تصرف المحور الإيراني مع الحركة الإسلامية مع فلسطين المحتلة عام 48، من خلال أداة الاصطفاف التي تفسّر جانبا من ممارسات المحور ومنابره الإعلامية وجمهوره عموما، فالعامل الحاسم في ذلك كله هو الاصطفاف إلى جانب المحور من عدمه، أو الموقف من بعض خصوم وأعداء المحور، لا الموقف الأصيل من المقاومة أو من القضية الفلسطينية أو من الاستعمار، وبهذا يمكن فهم احتضان المحور لبعض "العملاء السابقين" بحسب تصنيفه، حينما أعادوا اصطفافهم إلى جانبه، واحتفاء بعض منابره بانقلاب عبد الفتاح السيسي لأنه استباح دماء وأعراض الإخوان المسلمين الذين أعلنوا تأييدهم للثورة السورية، وتجاهل منابر المحور للحركة الإسلامية في فلسطين المحتلة عام 48، لأنها عبّرت عن موقف شديد الصراحة والوضوح في تأييد الثورة السورية.
وإذا كان جزء كبير من جمهور المحور قد انطبع في تصوره أن المحور، أو بعض أطرافه، هو مطلق المقاومة الذي لا يسأل عمّا يفعل لأن كل أفعاله مقاومة مهما بدت متناقضة، ومتعارضة مع شعارات المحور، الأمر الذي يحيل إلى نمط من الوثنية، يُقدس فيه الرمز على حساب الأصل، والصورة على حساب الجوهر؛ فإن السؤال الذي يُطرح على الواعين من جمهوره بحقائق سياساته: أين فلسطين والمقاومة في مثل هذه الحالات؟!