تحترق المنطقة مثل لهيب من الجحيم، أما إتجاه الريح فهو ليس لصالح
تركيا.
هناك ثلاث مسائل، قدمت من الأراضي السورية، اعتبرتها تركيا لفترة طويلة تهديدا خطيرا.
المسألة الأولى؛ هي تواجد تنظيم الدولة وأفعاله الشنيعة، فقد رأى الجميع ما يمكن أن تقوم به هذه المنظمة الإرهابية بعد هجمات ديار بكر وسوروج وأنقرة في تركيا، وهجمات باريس في فرنسا.
عناصر تنظيم الدولة، بدأوا بالتنظيم والتجذر في بعض المدن التركية كغازي عنتاب، وأدي يمان، هذه الرياح السلفية التي لم تتواجد في تركيا كثيرا تعصف بشدة هذه المرة.
تعقب ومتابعة الأشخاص القادمين من شتى بقاع الأرض للانضمام لتنظيم الدولة لا يزال عبئا ثقيلا على العاصمة التركية أنقرة.
تنظيم الدولة يسيطر على الخط الحدودي البالغ حوالي 90 كيلومتر المقابل لولاية كيليس التركية، فدخول عناصر التنظيم يتم بشكل كبير من هذه المنطقة.
على الرغم من إصرار تركيا المتواصل لجعل هذه المنطقة أكثر أمانا إلا أن الأمر الذي لا يستطيع أن يفهم هو عدم موافقة ودعم قوات
التحالف لذلك.
المسألة الثانية التي تعتبرها تركيا تهديدا خطيرا هي السيطرة الكاملة لحزب الاتحاد الديمقراطي على كامل الخط الحدودي الشمالي لسوريا، فالأكراد بوصولهم إلى الضفة الغربية لنهر الفرات يحاولون ضم مدينة عفرين الخاضعة للسيطرة السورية إلى مدينة تل أبيض الخاضعة بشكل كامل لسيطرة الحزب.
فتركيا تعتبر السيطرة الكاملة على حدودها مع سوريا من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يعتبر امتداد لحزب العمال الكردستاني الإرهابي نواة بداية لدولة يرأسها حزب العمال الكردستاني.
أما المسألة الخطيرة الثالثة لتركيا تتعلق بمسألة الهجرة، أو بشكل أدق تتعلق بتدفق كبير للمهاجرين.
يحتوي الشمال الغربي لسوريا على كثافة سكانية كبيرة، أعني حلب وجوراها وكذلك الحسكة التي هي على الحدود مع كيليس التركية، الأمر الذي يشكل أمرا ذا أهمية حساسة لتركيا.
تركيا اليوم تبذل ما بوسعها وتقوم بتعاون وثيق مع قوات التحالف الدولية، وذلك من أجل منع تنظيم الدولة من إجتياز هذا الخط.
فاجتياز "داعش" لهذا الخط ودخولها لهذه المنطقة ذات التعداد السكاني الذي يقدر بـ 4 مليون نسمة، يعني من منظور تركيا فتح الأبواب لموجة كبيرة جديدة من الهجرة، الأمر الذي سيشكل عبئا ثقيلا جدا على تركيا.
في الآونة الأخيرة بدأ هذا التهديد الثالث بالتوسع بشكل ملحوظ. فهذا التهديد هو نتيجة متوقعة جراء الهجمات الجوية الروسية لمنطقة جبل التركمان الواقعة غرب خط الحسكة، وكذلك نتيجة محتملة لمحاولات قوات النظام السوري السيطرة على الحكم في هذه المناطق التركمانية.
فالنتيجة المتوقعة الأولى بدأت بالتحقق فعلا من خلال موجات جديدة من الهجرة. والنتيجة المتوقعة الثانية هي سيطرة قوات حزب الاتحاد الديموقراطي الذي يتعاون مع الأسد من فترة لأخرى على هذه المناطق التي ستصبح خالية بعد هجرة سكانها.
أما النتيجة المتوقعة الثالثة فهي محاولة نظام الأسد السيطرة على جنوب ولاية هاتاي التركية من خلال طرد التركمان، وذلك قبل بداية محادثات الهدنة المتوقع بدؤها في بداية عام 2016.
إن قيام
روسيا بمحاربة معارضي النظام السوري بحجة أنها تحارب تنظيم الدولة، مشكلة بذلك القوات الجوية لنظام الأسد، يزيد من مخاوف تركيا حول هذه التهديدات.
إن ما يجري اليوم في الشرق الأوسط أشبه ما يكون بحرب عالمية جديدة حصرت أجوائها داخل الأراضي السورية.
فالقوى الكبرى في العالم والتي تشمل كل من الولايات المتحدة الأمريكية، إنجلترا، فرنسا، روسيا وإيران مشتركون في هذه الحرب بشكل مباشر، حيث إنهم يستهدفون من قبل تنظيم الدولة.
إيران تقوم بتسيير سياسة السيطرة الشيعية في هذه الحرب. أما روسيا التي تسعى بجد لإستعادة مكانتها السابقة في العالم وتقوم بدعم حليفتها لزمن طويل إيران، وبالتالي فهي تدعم الأسد الحليف الإستراتيجي لإيران.
في هذه الحرب يتم استغلال النزاعات بين الأكراد والأتراك والعرب، الشيعة والسنة ...إلخ.
فالنزاعات على أساس عرقي أو ديني تسهل الأمور للقوى المهيمنة التي تسعى إلى فرض سيطرتها في المنطقة ورسم حدود جديدة لمناطق نفوذها.
كل هذه الأمور التي من شأنها أن تقلب الموازين في المنطقة، تعني بالدرجة الأولى الجمهورية التركية.
هذا يعني أن تركيا ليست بمنأى عن الحرب، فتركيا أيضا مشتركة في هذه الحرب.
المسألة ليست فقط متعلقة بالترجيحات السياسية والمصالح القومية لتركيا، بل تتعلق أيضا بالمشاكل المترتبة عن هذه الحرب والتي ستنعكس سلبا على تركيا، لا سيما مشكلة اللاجئين.
إن تحمل هذه الحرب سيحتاج بالتأكيد إلى الصبر والعقل.