كشفت صحيفة "التايمز" أن
تنظيم الدولة أثبت حضورا له في أفغانستان، وسيطر على مناطق فيها، في محاولة لإنشاء "ولاية" له في المناطق القريبة من الحدود
الباكستانية.
وتذكر الصحيفة في تقرير أعده أنتوني لويد، تحت عنوان "داعش يغزو أفغانستان"، أن حوالي 1600 مقاتل يديرون أربع مناطق إدارية في محافظة جلال أباد بالطريقة الوحشية ذاتها، التي يتبعها التنظيم في إدارة مناطق سوريا والعراق؛ قطع الرؤوس في الساحات العامة وتطبيق نموذج متشدد عن الشريعة والابتزاز.
ويقول الكاتب إن عشرات الآلاف من الأفغان فروامن قراهم وبلداتهم في وقت يخوض فيه الجيش الأفغاني معارك يومية مع الجهاديين. مشيرا إلى أنه شاهد توسع تنظيم الدولة بنفسه ومن خطوط القتال. واعترف المسؤولون الغربيون بأن توسع تنظيم الدولة كان مفاجئا.
ويورد التقرير شهادات مزارع أفغاني اسمه حاجي لال بور (40 عاما)، اعتقله تنظيم الدولة مع عدد من الأفغان، ومنهم ابن عمه أنس الله، الذي كان يعمل في حرس الحدود الأفغاني ،والذي اختير للذبح؛ نظرا لأن تنظيم الدولة يستهدف دائما من يعمل مع الحكومة في الأمن وغيره من مؤسساتها. وقال إن شخصا باكستانيا اسمه مولوي أبو بكر هو من قام بذبح ابن عمه، وإن "شعر رأس توقف" عندما شاهد عملية الذبح. وأشار حاجي لال بور إلى أن كل شخص في تنظيم الدولة له مهمة الذبح أو حراسة المعتقلين، لكنّ أبا بكر مولوي هو أكثر من يثير الرعب.
وتبين الصحيفة أن تنظيم الدولة، أو ما يعرف بولاية خراسان، تقوم بتوسيع مناطق سيطرتها في شرق أفغانستان، وذلك بعد عام من تسليم الجيوش الغربية مسؤولية الأمن إلى القوات الأفغانية. وهزم الجهاديون التابعون لولاية خراسان حركة
طالبان، ويديرون حملة تجنيد في 25 ولاية من بين 30 ولاية أفغانية.
ويقول لويد: "هنا في المنطقة التي تحاذي الحدود الباكستانية يقوم الجهاديون بإصدار التعليمات التي تنظم الحياة اليومية، ويشرفون على السجون، ويمارسون حملة وحشية ضد السلطات المحلية لإخضاع المعارضة".
وينقل التقرير عن حاجي لال بور من بلدة عبد الخل من محافظة نانغهار، الذي سجنه الجهاديون في مغارة في منطقة تختو في وادي بيها؛ لأنه نجل أحد قادة العشائر في بلدته، وصفه كيف قام أفراد التنظيم بتعليق السجناء وهم معلقون من الشجر بشكل مقلوب، وغمروهم في الماء، في نسخة محلية لأسلوب الإيهام بالغرق، الذي استخدمته "سي آي إيه" مع معتقلي غوانتانامو، ويقول: "وكان من الصعب معرفة إن كانوا أمواتا أم أحياء بعد ذلك"، ويضيف: "حملوهم بعد ذلك ولم نرهم أبدا".
وتعلق الصحيفة بأن نمو تنظيم الدولة في أفغانستان، الذي يعيش نزاعا منذ 36 عاما، يشبه تطوره في مناطق آخرى، مثل العراق وسوريا، مشيرة إلى أنه في الوقت الذي دخلت فيه بريطانيا الحرب ضد التنظيم في سوريا، فإن الأفغان يقاتلون الحرب التي تركها البريطانيون وراءهم، وهم يعانون من هزائم في أكثر من مكان. ويخسر الجيش الأفغاني 500 من قواته كل شهر.
ويلفت الكاتب إلى أن "حركة طالبان انقسمت بين جناحين، الجناح المؤيد للعملية السلمية مع الحكومة في كابول، وذلك الرافض لها والمتحالف مع تنظيم الدولة. وكانت الحكومة الأفغانية قد أعلنت عن مقتل زعيم حركة طالبان الجديد ملا منصور، متأثرا بجراحه بعد مواجهة في اجتماع بكويتا الباكستانية. إلا أن حركة طالبان نفت ذلك بشدة. وحتى لو نجا، فمن هاجموه هم من الموالين لتنظيم الدولة".
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن الدبلوماسيين الغربيين قللوا في البداية من خطر تنظيم الدولة في أفغانستان، لكنهم يقولون إن تطوره ونموه وثروته تدعو إلى الحذر وعدم تجاهله. ونقل عن دبلوماسي في كابول قوله إن "وجود (داعش) في أفغانستان هوعبارة عن تحالف مصلحة بين أفراد حركة طالبان الساخطين وحركة طالبان باكستان ومجموعة من المقاتلين الشيشان والأوزبك". وأضاف: "لا يمثلون تهديدا كذلك الذي في الشرق الأوسط، ولكنهم قد يمثلون خطرا بعد 3 أو 5 سنوات". وتابع: "مع أنهم مختلفون أيديولوجيا عن (داعش)، لكن هذا لا يمنع من تطورهم إلى نسخة أكثر خطورة".
وتذكر الصحيفة أن تنظيم الدولة أصبح أكثر ثراء وقوة من حركة طالبان. وهو ما لم يلاحظه الأفغان في البداية، وكما يقول حاجي لال بور: "لم نكتشف حقيقتهم إلا بعد وصولهم بأشهر". وأفرج عن لال بور مع ثلاثة من السجناء، بعد حصول التنظيم على ضمان بفدية قيمتها 3 ملايين روبية باكستانية.
ويقول لويد إن وصول تنظيم الدولة بدأ في الخريف الماضي، عندما بدأ أفراد من قبيلة أوراك زاي باجتياز الحدود الباكستانية نحو محافظات أفغانستان، بما فيها محافظة أتشين جنوب مدينة جلال أباد. وينقل عن أنس الله (22 عاما) من محافظة أتشين، قوله: "في البداية قالوا إنهم يبحثون عن ملجأ آمن من عملية عسكرية باكستانية، وطلبوا منها حمايتهم. وعاشوا معنا، وكانوا طيبين، وسمعنا إشاعات عن وصول الراية السوداء".
ويشير التقرير إلى أن موجة تدفق المقاتلين لم تبدأ إلا بعد خمسة أشهر، ففي ربيع العام الحالي وصلت مجموعة ثانية وكانوا عبارة عن فصيل منشق عن حركة طالبان باكستان. ويقول أنس الله: "بعد وصولهم أخرج الفريق الأول أسلحته وانضم إليهم، وأعلن بعضهم ولاءه للبغدادي، ورفع الراية السوداء، وطلبوا منا التجمع في المساجد والبازارات، وقالوا لنا إنهم سيحطمون الحدود بين باكستان وأفغانستان، وسينشئون ولاية جديدة لتنظيم الدولة، وبدأوا يصدرون الأوامر، ويطلبون منها تغيير حياتنا".
ويقول أنس الله للصحيفة إن "قبيلة (شينواري)، الموالية لحركة طالبان حاولت التصدي للقادمين الجدد، إلا أنها خسرت بعد أسابيع. وبعد هزيمة طالبان أخذ القادمون الجدد يقولون لنا إن ملا عمر زعيم حركة طالبان مات، ولكن أبا بكر
البغدادي زعيم (داعش) لا يزال على قيد الحياة". وأضاف أنس الله أنهم كانوا يرفعون أيديهم عند ذكر اسم البغدادي.
ويرى الكاتب أن الطريقة التي ظهر فيها تنظيم الدولة في أفغانستان اتبع فيها المسار ذاته، الذي انتهجه في مناطق أخرى، من محاربة الخرافات وحملة لكسب العقول والقلوب، والسيطرة على السلطة من القوى المحلية، وبعدها جاء القمع. فبعد تعزيز سلطتهم أخذوا يصدرون الفتاوى التي تحمل شعار تنظيم الدولة، وبدأوا يأمرون الناس باتباع الشريعة وتدمير المزارات الدينية.
ويورد التقرير نقلا عن حارس غابة في محافظة أتشين، قوله: "بعد هذا لم تعرف وحشية (داعش) ضدنا حدودا". وأضاف: "اعتقلوا الناس بطريقة عشوائية، بناء على انتمائهم القبلي. ومنهم مظلوم من قبيلة شينواري، حيث اعتقلوه بعد وفاة ابنه البالغ من العمر 11 عاما بعد إصابته بداء الكلب، وظل في أسرهم حتى دفع عمه نصف مليون روبية باكستانية فدية". ويقول مظلوم: "سألتهم ما هو الذنب الذي ارتكبته؟قالوا: (قبيلتك)". وقضى مظلوم أيام السجن في واحد من ثلاثة سجون مع 30 إلى 40 سجينا، حيث كانوا يجلسون على الأرض مقيدين، ويضربون بالعصي والهراوات، ويعلقون بالمقلوب من عمود.
وتوضح الصحيفة أن تنظيم الدولة بحلول تموز/ يوليو، وبعد هزيمته حركة طالبان، قرر النزول من الجبال، وهاجم مراكز الشرطة في وادي بيها ومامون. ويقول حاجي لال بور إن العنف أصبح وسيلة في حد ذاتها، فقد وضعوا أمام زنزانته رأسا في قدر، وقام بعض المقاتلين بتعليق رؤوس شرطة أفغان على مقدمة رشاشاتهم. وفي حزيران/ يونيو أجبر مقاتلو تنظيم الدولة عشرة من قبيلة شينواري على الجلوس على مجموعة من المتفجرات، قبل أن يتمزقوا أشلاء، وكان منهم رجال كبار بالعمر. وتم تصوير الحادث، واستخدمه التنظيم في دعاية ولاية خراسان.
ويكشف الكاتب عن أنه بالنسبة للشيوخ الذين رفضوا دعاية تنظيم الدولة، فقد تعرضوا للطرد أو الاعتقال، حيث تم استبدالهم بشيوخ جلبوا من باكستان.
وينقل التقرير عن محافظ أتشين حاجي غالب مجاهد، الذي يعارض تنظيم الدولة، قوله إن صهره ملا زيرغول تعرض للاختطاف من قرية غولايي، حيث شوه جسده ورمي في بئر، ويضيف: "كان عمره 70 عاما، وقتله بهذه الطريقة كان رسالة لمن يعارضهم". ويقول أحدهم ويدعى أسعد الله إن "الجهاديين رفضوا طريقة عبادة السكان، وقالوا لنا إننا لسنا مسلمين جيدين، وطلبوا منا تغيير طريقة صلاتنا، وحتى جلوسنا". ومن التزم من أئمة المساجد بمطالب تنظيم الدولة، طلب منهم تسجيل أسماء من يداوم على الصلاة.
ويعلق لويد: "فجأة أصبح أبو بكر البغدادي موضوعا للحديث، مع أن الكثير من الأفغان المحليين لا يعرفون الكثير عنه".
وتختم "التايمز" تقريرها بالإشارة إلى أنه بعد ذلك تدفق مقاتلون جدد، وحاولت قوات الأمن إخراجهم، واستطاعت صدهم في نانغهار، ولكنها لم تستطع إخراجهم من المناطق الجبلية. ويقدر الأمن الأفغاني عددهم بما بين 1200 و1600 مقاتل.