نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية تقريرا للكاتب بول فاليللي، بدأه بسؤالين: ما هي نوعية الشخص الذي يصبح إرهابيا جهاديا؟ وبالتحديد ما هي نوعية الشخص المتعلم؟ ويجيب قائلا إن معظم المتعلمين الذين تجندوا مع الإرهاب "الإسلامي"، درسوا الهندسة أو العلوم أو الطب. وتقريبا لا أحد بينهم ممن درس الأدب أو العلوم الاجتماعية، بحسب بحث لم ينشر بعد، وقد تكون لهذا الكشف تداعيات مهمة.
ويشير التقرير إلى أنه بحسب
الدراسة، التي حملت عنوان "تحصين العقل"، فإن حوالي نصف (48.5%) الجهاديين، الذين تم تجنيدهم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كانوا ممن درسوا على مستوى الجامعة، وكان 44% من خريجي الهندسة، ويصل هذا الرقم بين المجندين من الغرب إلى 59%.
ويذكر فاليللي أن دراسة للإرهابيين في تونس، حيث قام مهندس كهربائي بارتكاب مجزرة في حزيران/ يونيو، قد توصلت إلى نتائج مشابهة. كما أن دراسة لـ 18 مسلما بريطانيا متورطين في أعمال إرهابية، وجدت أن ثمانية منهم درسوا الهندسة أو تكنولوجيا المعلومات، وأربعة درسوا العلوم والصيدلة والرياضيات، وأن واحدا فقط درس العلوم الإنسانية.
وتلفت الصحيفة إلى أن هذا ليس مجرد صدفة، بحسب مستشار المجلس البريطاني في الشرق الآوسط وشمال أفريقيا مارتن روز، حيث يجمع في تقريره المعنون بـ"تحصين العقل" طيفا واسعا من الآراء، والدعم للرأي القائل بأن التعليم العلمي يفشل في تعليم الشخص التفكير النقدي بالطريقة ذاتها التي تسمح به النقاشات في تعليم الآداب. ويصيغ روز مفهوم "عقلية الهندسة" التي تجعل
طلاب العلوم فريسة سهلة للتجنيد في الحركات الإرهابية.
ويبين التقرير أن روز يستفيد في تقريره من عدد من الدراسات الأكاديمية، وملف من إعداد المخابرات البريطانية التي تصف المجند المثالي بأنه "ذكي وفضولي، ولكنه لا يجادل السلطة". ويقول روز إن ثقافة تعليم العلوم ينتج عنها ثنائية حق وباطل وصحيح وخطأ. وهذا بحد ذاته يقلل من إمكانية تطوير مهارات الدراسة النقدية لطلاب العلوم والهندسة. ويضيف أن هذه الظاهرة ليست مقصورة على الجامعات الأجنبية، مشيرا إلى التقارير التي تتحدث عن تزايد جاذبية فكرة الخلق لبعض طلاب الطب المسلمين.
ويجد الكاتب أنه "قد يكون سبب عدم التوازن هو ببساطة الدعوة التي وجهها زعيم
تنظيم الدولة أبو بكر البغدادي في أيلول/ سبتمبر 2014، لـ (القضاة والأطباء والمهندسين والأشخاص ذوي الخبرة العسكرية والإدارية) بالانضمام لـ (الخلافة). وبالتأكيد فإن تنظيم الدولة يحتاج كلا من مهندسي البترول وصانعي القنابل، ولكن الأدلة تشير إلى أن كثيرا من المهندسين، الذين انضموا للتنظيم، تم تكليفهم بأدوار غير تقنية".
وترجح الصحيفة أن تكون الظاهرة مجرد انعكاس لحقيقة أنه في العالم العربي تعد كليات الطب والهندسة والعلوم الطبيعية، بهذا الترتيب، هي كليات النخبة والتي تجذب أعلى المعدلات؛ لأنها تؤدي تفليديا إلى أكثر الوظائف مكانة اجتماعية.
ويستدرك التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأنه بحسب روز فإن 70% من الطلاب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يدرسون العلوم الاجتماعية. وبالرغم من حقيقة أن التدريس في تلك الكليات مستواه أقل، إلا أن المقاربة التعليمية التي تتطلب التحليل والنقاش تبدو وكأنها تعارض الحقائق بالأسود والأبيض، كما يراها
الجهاديون. وربما كان لذلك أن قام تنظيم الدولة بإلغاء دراسات الآثار والفنون الجميلة والقانون والفلسفة والعلوم السياسية والرياضة، بالإضافة إلى الدراما وقراءة الروايات.
ويقول فاليللي إنه لا يبدو أن هناك شيئا جديدا في هذا الموضوع، ففي عام 2003، أشارت الأمم المتحدة في تقريرها حول التنمية البشرية، إلى أن المناهج العربية تشجع الاستسلام والطاعة والتبعية والمطاوعة، بدلا من التفكير النقدي الحر.
وتورد الصحيفة أن روز أبرز ثلاث سمات تميز "العقلية الهندسية"؛ الأول: أنها تسأل: "لماذا الجدل إن كان هناك حل واحد أفضل؟"؛ والثاني أنها تؤكد "لو كان الناس منطقيين أكثر لكانت الحلول بسيطة"؛ وثالثا: تجذب هذه العقلية الناس الذين بداخلهم حنين إلى نظام مفقود، وهو ما يجدوه في صميم العقيدة السلفية والجهادية.
ويتساءل التقرير: لكن إن كان هذا صحيحا فأين يأخذنا هذا؟ يقترح روز أن يتدخل المجلس البريطاني، الذي تموله الحكومة البريطانية، لنشر الثقافة البريطانية في أنحاء العالم لتعديل أساليب التعليم، "لأنسنة" دراسة المواد العلمية والتقنية. فنظام تعليم أوسع قد يعطي الطلاب الأدوات الفكرية لتطوير نظرة منفتحة ومتسائلة تشكك في السلطة، سواء كانت علمية أو سياسية أو دينية.
وتختم "الغارديان" تقريرها بالإشارة إلى أن الطلاب يحتاجون شيئا لا يأتي من خبراء الثقافة الغربية، فما لا يقوله التقرير، هو أن الطلاب يحتاجون إلى مساهمة من داخل دينهم ليفتح عقولهم على ثراء التقاليد الإسلامية، التي شكلت الديانة الإسلامية قبل أن تفسدها "الأصولية السلفية الغنية بالنفط".