يقول أبو شادي إنه لم يفكر للحظة واحدة في أن ما يقوم به قد يجلب له المال، فخدمة
الترجمة للاجئين العرب عامة والسوريين خاصة، تدر دخلا جيدا، لكن أبا شادي لا يتقاضى أي مبلغ من اللاجئ، كما يتحمل تكلفة تذكرة حافلة أو قطار.
التقت "عربي21" صدفة بأبي شادي في البداية، ثم ما لبثت اللقاءات أن تكررت، ففي كل مكان يتواجد فيه السوريون قد تصادف الرجل على كرسيه المتحرك يتنقل برشاقة، لدى دفعه عجلات الكرسي اليدوي، والتقدم بسرعة لمساعدة كل من يحتاج أمرا، حتى دون أن يطلب منه.
يقول أبو شادي: "في هذه المدينة يعرفني معظم
اللاجئين السوريين، وأقضي النهار كله في خدمتهم وفي الرد على اتصالاتهم، إذ يعطي كل لاجئ رقم هاتفي النقال للآخر، ودون استئذاني؛ لأنهم يعرفون أن ذلك لن يزعجني أبدا، بل سأكون سعيدا بخدمة أبناء بلدي"، وفق تعبيره.
يعيش الرجل في مدينة "غوترسلو" في ألمانيا منذ أكثر من 20 عاما، وهو حاصل على الجنسية الألمانية، ويتحدث اللغتين العربية والألمانية، كما يتحدث باللغة التركية، بالإضافة إلى لغته السريانية، فالرجل سرياني سوري من مدينة القامشلي (شمال شرق).
بحسب اللاجئ السوري أبي عمر، فإن أبا شادي لا يقدم المساعدة فقط لأبناء طائفته أو مدينته أو حتى بلده، بل إنه "يقدم المساعدة لكل من يحتاجها، ويذهب للترجمة للكثير من اللاجئين العراقيين، ويهتم بكافة الأمور التي تخص اللاجئين الجدد، وليس الترجمة لهم فحسب، بل يرافق من يحتاج الذهاب إلى طبيب أو إلى مستشفى، ويرافق من أراد أن يشتري شيئا وينصحه بالأشياء الأفضل والأقل سعرا، حتى أنه أحيانا يقوم بإيصال من لا يعرف الوصول إلى المكان الذي يتوجه إليه، فكثيرا ما سافر أبو شادي (بالمواصلات العامة) لمدن بعيدة فقط؛ ليوصل شخصا، ويعود بعدها".
يرفض الرجل أن تلتقط "عربي21" له صورة، ويؤكد أنه لا يقوم بذلك لأجل الشهرة أو لأجل أن يتحدث عنه الناس ويصبح موضع اهتمام، ويقول: "اكتب ما تشاء، لكن لا تصورني، يا أخي أنا أساعد الناس لوجه الله، ولأنني أحب فعل الخير وتقديم المساعدة".
ويضيف قائلا: "هل للإنسان قيمة إن لم يقدم شيئا لغيره؟ لقد عرض علي العمل مترجما في أحد مراكز العمل التي أتردد إليها مع اللاجئين، ورفضت، فلم ألزم نفسي بدوام، وأنا أتحرك بحرية، وأقوم بالعمل ذاته. أما عن المال، فلست بحاجة إليه، وراتبي يكفيني"، كما يقول.
ورغم أنه رجل مقعد على كرسي متحرك، فإنه رجل ذو إرادة صلبة، ويحكي لـ"عربي21" كيف أنه رفض استخدام الكرسي الكهربائي الذي لا يحتاج جهدا، وأصر على استخدام الكرسي ذي الدفع اليدوي.
ويقول: "لا استطيع المشي، وأطرافي السفلى كأنها غير موجودة، لذا أريد استخدام الأطراف العليا في دفع الكرسي، فلو توقفت أيضا عن استخدامها، سأشعر أنني فقدت النصف الآخر من جسدي".
ويذكر أبو شادي أنه اعتقل لدى النظام السوري قبل سنوات، وأن ما حل به من التعذيب والألم كان سببا لفقده القدرة على المشي فيما بعد، ورغم أنه غير ضليع بالشأن السياسي، ولم يمارس أي عمل سياسي سابقا، ولا يفكر بممارسته لاحقا، إلا أنه سجن لأسباب سياسية، هو ذاته لا يعرف عنها أي شيء، وفق قوله.
يشغل العمل
التطوعي هذا يوم أبي شادي بالكامل، ولا يعود إلى منزله إلا مساء بعد أن ينهكه التعب، حتى أن بعض اللاجئين أخبروا "عربي21" أنهم يحاولون دعوته أحيانا إلى الغداء أو العشاء؛ إكراما له، وتعبيرا عن شكرهم لجهوده، فيلبي الدعوة، ولكن بطريقته الخاصة.
ويقول اللاجئ أبو عمر: "كلما دعوناه إلى الغداء أو العشاء يلبي الرجل الدعوة، ويأتي ليتناول الطعام معنا، ويجلس في بيوتنا عدة ساعات، إلا أنه دائما يحضر معه طعاما يكفي لكل من في البيت على حسابه الخاص، ويرفض أن يأكل شيئا على نفقتنا مطلقا، ويقول إن ظروفنا لا تسمح لنا بإقامة الدعوات، لكنه سيتحمل تلك المصاريف".
ويحدث أبو شادي "عربي21" عن انشغاله الدائم، ويقول مبتسما: "لدي دفتر خاص أسجل فيه المواعيد حتى لا يحدث تضارب بين موعدين أعطيتهما لشخصين، وبالتالي أكون قد تسببت بضرر لأحدهما؛ لأن الروتين في الدوائر الحكومية هنا يعتمد على المواعيد، ومن يتأخر عن موعده قد يحصل على موعد آخر بعد شهر كامل، حينها أكون ضيعت عليه الكثير من الوقت الذي يستغرقه في استكمال إجراءات لجوئه".
ويضيف قائلا: "أحاول أن أرتب كل المواعيد بشكل جيد، فمعظم اللاجئين لديهم لم شمل لعائلاتهم، ولا أريد أن أكون سببا في تأخير لقائهم بأبنائهم وزوجاتهم، لذا أحسب الوقت بشكل جيد، وأتعامل مع الجميع بدقة كاملة، بحيث أقدم الخدمات لأكبر عدد ممكن من السوريين أو العرب أو حتى من غير العرب، فالكل سواسية، والكل بشر، لديهم همومهم ومشاكلهم التي دفعتهم لسلوك طريق الهجرة الطويلة"، كما يقول أبو شادي.